د. محمد وليد صالح
من المفاهيم المتداولة في الفعاليات العلميَّة والثقافيَّة هو مفهوم الذكاء الاصطناعي وتقاناته في وسائل الإعلام، وكأنه تحدٍ للعقل البشري، الأمر الذي يتوجب تعليمه لدارسي الإعلام والعلاقات العامَّة لردم الفجوة التقليديَّة السائدة بالطرائق الناجعة، ومواكبة بيئة العمل لتجسيد هذه الأهداف بالتخطيط لرؤيتها الستراتيجيَّة في المرحلة المقبلة والانتقال إلى حالة الإعلام الرقمي والبديل وصحافة المواطن.
فالمنتج المرئي والمسموع والمقروء أصبح عابراً للحدود في ظل العصرنة الفضائيَّة والإلكترونيَّة بواسطة آليات التسويق في شبكة المعلومات العالميَّة، فرسالة الإعلام الموجهة ليست محليَّة وإنما إقليميَّة ودوليَّة والجمهور المستهدف كذلك بكل تنوعاته واختلافاته، بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضمن الفضاءات الافتراضيَّة وكشف انتظامات معينة في حركة بنية المجتمعات البشريَّة وتطورها.
وفي ضوء أهداف خطة التنمية المستدامة العالميَّة السبعة عشر المعتمدة من الأمم المتحدة قبل ثمان سنوات، من أجل القضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار، يتطلب إعداد مشروع واعد لبناء القدرات وتنمية مهارات الشباب الإعلاميَّة من خريجي الجامعات، ومزج دراستهم النظريَّة بالواقع الميداني وممارسة المهنة وهم طلبة ليكسبوا مؤهلات تضاف إلى شهاداتهم الجامعيَّة لتمكينهم من دخول سوق العمل الصحافي، وتطوير إمكاناتهم وتبادل الخبرات وإجراء البحوث والدراسات المختصة، من طريق إعداد السياسات العامَّة الناجعة وتحديد معايير حريَّة الرأي والتعبير، بوصفها نهج الشراكات العالميَّة ومشروعها الشامل على أدواته الملموسة التي تضم منظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والسلطات التشريعيَّة والقضائيَّة والتنفيذيَّة ومؤسسات الإعلام والمنظمات غير الحكوميَّة والمجتمع المدني.
في عالم تكتنفه حالة من الغموض يصبح عامل القدرة على التكيف مع المستحدثات هو موضع الحسم والقرار في المضي قدماً وصعود المنحنى أو الهروب خارجه، إذ شكَّل الارتفاع الهائل في قوة الحوسبة أحد العوامل الحاسمة في انتشار شعبيَّة الذكاء الاصطناعي وابتكارات في خوارزمياته في العقد الماضي، عبر معالجة كميَّة كبيرة من البيانات بسرعة بالغة، وما حدث في مجالات التعلّم العميق والشبكات العصبيَّة وجعل الآلات تتعلم بناءً على البيانات التأريخيَّة بدلاً من البرمجة.
إنَّها بالفعل تطورات تعدُّ ثورة رابعة بفعل تكنولوجيا المعلومات وأقنية الاتصالات الرقميَّة التي أثرت في تصوراتنا عن علاقات بذاتنا والآخرين والكيفيَّة التي نشكّل بها العالم من حولنا وطريقة تفاعلنا معه، فما زال العنصر البشري ينظر إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسيلة تواصل وتقارب، وقد باتت هذه التقانات قوى بيئيَّة واجتماعيَّة ووجوديَّة إنسانيَّة للواقع الفكري والمادي، وتطوير آليات التفاعل مع العالم من حولنا.