موجات الأمطار تنعش الزراعة والمسطحات المائيَّة

ريبورتاج 2023/01/17
...

   سها الشيخلي

  تصوير: خضير العتابي


بعد أعوام من التصحر والجفاف، جاءت موجة الأمطار مؤخراً لتنعش الآمال بموسم زراعي مثمر، وإمكانية تغير الأجواء، خاصة في موسم الصيف المقبل وحرارته اللاهبة وموجات الغبار التي اشتدت في العام المنصرم، وغيرها من التغيرات المناخية، وأن تعود الحياة إلى الأهوار والأنهار ومختلف المسطحات المائية.


خطط زراعيَّة

  إن إعداد الخطط الزراعية، سواء كانت صيفية أم شتوية يعتمد على الخزين المائي المتوفر، فضلاً عن كون الموسم ممطراً أو جافاً، ويبين وكيل وزارة الزراعة الدكتور مهدي سهر الجبوري لـ (الصباح) أن تحديد الخطط الخاصة بالمواسم الزراعية، يعتمد على التعاون بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، ولأن الأعوام المنصرمة كانت جافة تماماً وتكاد تخلو من الأمطار، فهذا انعكس سلباً على تلك الخطط بسبب انخفاض الإيرادات المائية، ووفقاً للجبوري فإن الاجتماعات مع الموارد المائية مستمرة ولهذا تمت إضافة ما يقرب المليون دونم إلى الخطة، ومن المؤمل أن يشهد محصول الحنطة زيادة ملحوظة وبالتالي إمكانية تسويقه لوزارة التجارة بكميات جيدة.


الثروة الحيوانيَّة

ويلفت وكيل الوزارة إلى أن هذه الأمطار أسهمت بشكل كبير في زيادة الخزين المائي للأنهار والمسطحات والأهوار، فضلاً عن السيول التي رفعت من مناسيب المياه الجوفية، كما أضافت مساحات واسعة زرع فيها محصولا الحنطة والشعير، إذ شهدت تلك الزراعة تراجعاً كبيراً في الأعوام المنصرمة، ولكن وبحسب الجبوري فإن هناك توقعات بزيادة هذه المحاصيل بشكل لافت للنظر، ويضيف: أن هناك مساحات رعوية كبيرة توفرت لمربي الثروة الحيوانية التي شملت المواشي والأسماك أيضاً نتيجة الأمطار التي هطلت بشدة وأسهمت بعودة الغطاء الأخضر لتلك المناطق التي عانت من الجفاف والتصحر لفترات طويلة.


سدود ترابيَّة

ويدعو الجبوري وزارة الموارد المائية إلى الاستفادة من كميات الأمطار التي هطلت بقوة على المناطق الصحراوية وإقامة سدود ترابية، تعمل على خزن تلك المياه، بالإضافة إلى تلك المناسيب المائية الموجودة في دجلة والفرات، التي ارتفعت بشكل ملحوظ وخزنها في البحيرات المتوفرة مثل الثرثار والحبانية والرزازة، بالإضافة إلى العمل على ملء الأهوار التي تعرضت لموجات من الجفاف والتصحر.


تطرف مناخي

عانت البيئة العراقية من تغيرات مناخية شديدة وصفت بالمتطرفة، فضلاً عن قلة سقوط الأمطار في الفترات الماضية، ويرى الوكيل الفني لوزارة البيئة الدكتور جاسم الفلاحي أن تراجع الإيرادات المائية من دول المنبع، كان نتيجة لسياسات دول الجوار، ولأن البلاد عانت من تراجع غير مسبوق في الخزين المائي للسدود، لهذا تعد هذه الموجات المطرية بمثابة المنقذ للأجواء العراقية، التي عانت الأمرين، إذ زاد التصحر والجفاف وتأثرت مساحات واسعة من الأراضي بهذه التغيرات، مشيراً إلى أن الإيرادات المائية ستأخذ بالزيادة حتى في الأحواض الخزنية في سدود حديثة والموصل وحمرين، فضلاً عن بقية السدود الأخرى، ومن الجدير بالذكر أن هذه التغيرات الإيجابية ستسهم بتثبيت التربة وزيادة الغطاء النباتي.


حصاد المياه

ويبين وكيل وزارة البيئة أن معظم الأراضي العراقية قد تدهورت بشكل كبير، نتيجة التغيرات المناخية وفقدان الغطاء النباتي العشبي، الذي هو بطبيعة الحال يعمل على منع انجراف التربة وهبوب العواصف الترابية، لذلك نحث وزارة الموارد المائية على الانتفاع من كميات الأمطار التي هطلت بشكل غير مسبوق، وتطبيق ما يسمى بستراتيجية حصاد المياه، أي خزنها والاستفادة منها بطرق رشيدة وآمنة، تمهيداً لفصل الصيف المعروف بحرارته العالية، وفي الوقت نفسه دعا الفلاحي وزارة الزراعة إلى تطبيق الأحزمة الخضراء لمكافحة التصحر وتثبيت التربة، وزراعة الأشجار المفيدة للبيئة المحلية، والتي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.


تلوث بيئي

لم تتأثر البلاد بتغيرات المناخ وحسب، بل كان للتلوث البيئي نصيب كبير، ومن وجهة نظر وكيل وزارة البيئة الدكتور جاسم الفلاحي، فإن تأثر العراق بسنوات الحرب ومواجهة الإرهاب، فضلاً عن الظروف الاقتصادية، كلها كان لها تأثير كبير في البيئة والبنى التحتية، وكذلك إلقاء مياه الصرف الصحي في الأنهار، دون إجراء معالجات حقيقية لها.

ووفقاً للفلاحي فإن التقنيات القديمة التي تستخدم في الصناعة، تؤثر هي الأخرى في البيئة بسبب انبعاثات الكاربون العالية، وفي نية وزارة البيئة تفعيل القوانين والإجراءات التي تحمي البيئة وتقلل من التلوث الحاصل فيها، وكذلك الاهتمام بالطاقة النظيفة لما لها من آثار إيجابية على المحيط العام.


وقود أحفوري

ويعتقد المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة  المهندس الاستشاري عيسى الفياض أن التغيرات المناخية ترجع إلى أسباب مختلفة، منها ما يتعلق بالوقود الأحفوري الذي جاء بالتزامن مع الثورة الصناعية في العالم، التي أدت بدورها إلى زيادة انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون التي تتسبب بارتفاع درجات الحرارة، والتي تؤدي إلى شح المياه والتصحر، وعلى الرغم من وجود اتفاقيات دولية، منها صندوق المناخ الأخضر، الذي يلزم الدول المتقدمة بتقديم الدعم للنامية، وعلى الرغم من أن العراق ليس من الدول التي تؤثر في المناخ والبيئة، إلا أنه ارتأى الدخول في هذه الاتفاقيات وتقديم الأفكار والرؤى لتستفيد بقية الأطراف منه.


معاهدة باريس

ويلفت الفياض إلى انضمام العراق لاتفاقية باريس، التي تركزت على تقليل الانبعاثات للوصول إلى درجة حرارة طبيعية، لأن التغيرات المناخية تهدد مناطق متعددة من العالم، فعلى سبيل المثال نشهد اليوم ذوباناً لجليد القطبين الشمالي والجنوبي، وينوه الفياض بأن العراق يحاول أن يقدم أفضل ما لديه في مجال البيئة، وفي نيته استثمار الغاز المصاحب وهذا سيكون بمثابة تغيرات إيجابية للبيئة.

وتشير التقارير والدراسات إلى أن اتفاق باريس للمناخ، يهدف إلى تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يسمح للنظام البيئي بأن يتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وبالتالي حماية الإنسان من خطر يصل إلى النقص في الغذاء والماء، والسماح بالمضي قدمًا في إيجاد وخلق سبل للتنمية الاقتصادية على النحو المستدام. ويشير هذا الاتفاق إلى أن للأجيال المقبلة الحق بالعيش في ظل بيئة نظيفة وغير مؤذية.