زيد الحلي
هل يُغني الحذر عن القدر؟ سؤال راودني كثيراً، وأكيد راود غيري، وشخصياً لم أجد جواباً شافياً لهذا التساؤل، ففي حياتي الكثير من صور الحذر، وأمامها الكثير جداً من صفحات القدر، ووجدتُ صراعاً خفياً وحواراً مستتراً بينهما. مرة يكون الحذر منتصراً، ومرات كثيرة يعلن القدر انتصاره بالضربة القاضية.
أعرفُ أن بلسم الجراح هو الإيمان بالقدر، لكني أجد بالحذر ضرورة حياتية، كي يتعلم المرء العِبرة من
العَثرة.
إن الأقدار تُزرع وحصادها بأمر الله سبحانه؟ وهي تمشي بنا في درب الحياة دون إرادتنا، ولا ندرك إذا كنا سنصل إلى نهاية الطريق، أم لا، وبالأقدار ننتظر مسافراً، ولكنه لن يعود، ويأتينا غائب ما كنّا نرتجي أن يعود.
وبمقابل ذلك يمكن للحذر أن يغنينا عن الكثير من أشواك الحياة. فالشجاعة بلا حذر، حصان أعمى، أو كما يقول المثل الهندي (قس مساحة المكان الذي تقف فيه لكن لا تخطو أي خطوة إلا بحذر).
المطلوب منا وقفة جلية مع أنفسنا لاسترجاع كل اختياراتنا، وخياراتنا السابقة، والمواقف التي مررنا بها، لا سيما التي لم ننجح فيها، وكانت بعيدة عن الطموح الذي تمنيناه، فأقدار الماضي هي الظلام الوحيد الذي نسير فيه، ولكن ليس بهدف الندم على ما فات، بل كي نتعلم ونطوي صفحات الماضي بالتصالح مع ذواتنا، وبالتفكير بضرورة الحذر، فعلى قدر حذرك غير المبالغ فيه تتسع لك الأرض بعطائها، وطيب ثمارها، فليس من المنطق أن نبيع الماضي لنشتري الغد، أو نترك الغد ليد القدر ونحتفظ بالماضي الذي نملكه.
أظن أن الحذر المتكئ على الإيمان والعقل الواعي،
هو السد الذي يمنع الطوفان. إنني أتوجس خيفة من
الأقدار التي تزلزل الحياة، فهي لا تغلق دفتر حساباتها
مع البشر أبداً، وفي كل يوم يكون دعائي أن يخفف عنا الرحمن أقدار الكدر، فكم عجيبة هي الأقدارُ، وكم تسري سفينةُ حياتنا في بحارها إلى حيث لا ندري، إنها امتحان الحياة.