حسن العاني
كنتُ اعتقد بأن المحللين السياسيين الذين بلغ عددهم ثلاثة أرباع الشعب العراقي على وفق الأرقام التي أعلنتها وزارة التخطيط، هم من يقف وراء الانتشار المخيف لظاهرة (المفردات والمصطلحات) الغريبة على عيون العراقيين واذانهم، ليس ابتداء بالشفافية والكوتا والفوضى الخلاقة وتحت خط الفقر، وليس انتهاء بالفراغ الدستوري ولمادة (140) وحمايات المسؤولين والسلاح المنفلت وحقوق النسوان والاقليات والمادة 56 وثورة البنفسج...الخ، وكان من الطبيعي أن تنسحب هذه الجيوش الإلكترونية من مصطلحات العراق الجديد إلى لغة الناس بدون استثناء، وتشاطرهم أحلامهم ويقظتهم وأكلهم وشربهم وأفراحهم وأحزانهم، ولا أبرئ نفسي أو استثنيها من هذه الحالة العامة، فكلنا - الغني الفقير، والعالم والجاهل وأبن الماء والخضراء وأبن اليابسة والصحراء – بات يهذي بأسماء الايديولوجيات، وأغلبنا يهرف بما لا يعرف !!
قبل بضعة أسابيع مضت، رأيتُ في ما يرى النائم، أننا على أبواب تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، طبعة 2034، وقد قامت قيامة وسائل الإعلام والمحللين السياسيين ووكالات الانباء العربية والاقليمية والأجنبية.. اجتهادات وتكهنات وآراء وكأننا في حضرة رجل يقرأ الكف او امرأة تقرأ الفنجان، وأنني على رأس كتلة تمثل (الاكثرية) الساحقة، ودوري هو العمل بمبدأ التوافق، وارضاء الأطراف المشاركة في العملية السياسية، وبحكم خبرتي الطويلة وتجربتي الغنية - في الحلم طبعاً - وما لمسته من حيف وقع على هذا المكون أو ذاك، فقد حرصت على العمل بإخلاص وروح ايجابي ودافع وطني في توزيع المناصب والحقائب الوزارية بطريقة تجعل الأطراف كلها تدعو لي بالرزق والعافية وطول العمر، و.. وفي الوقت نفسه اجنب البلاد من اللغاوي التي ترافق تشكيل الحكومة في كل مرة، وأقطع دابر الكلام عن التهميش، ومن هنا كنت أعمل ليل نهار، والتقي رؤساء الكتل وأُناقشهم، لكي لا يتهمني أحد أو يتهم كتلتي بالتحيز أو التفرد، وهذا ما فعلته حتى في توزيع السفارات، حيث اعتمدت مبدأ (المحاصصة العادلة)، بديلاً عن (المحاصصة الطائفية)، وأخبرتهم أن السفارات (الاعتيادية) في أميركا مثلاً أو إيران أو اليمن أو روسيا ستكون من نصيب مرشحينا، أما السفارات (السيادية) على غرار سفراء النوايا الحسنة والبيئة والطفولة والأغنية فستكون من نصيب مرشحيكم، الغريب أن ممثلي الكتل كانوا في قمة الغضب لشعورهم بالتهميش كما يدعون، وبهدف ارضائهم وتحقيق المصالحة الوطنية، تنازلت لهم عن سفاراتنا وأخذت سفاراتهم، وهذا ما لا يمكن أن يحدث إلا في الأحلام!.