هذه ثلاث حالات نفسيَّة تحدث لكثيرين سببها اضطرابٌ أو تصدعٌ يصيب الوعي يتداخل مع اضطرابات تصيب الذاكرة والتفكير. ففي الغيبوبة، التي هي حالة تشبه النوم، يكون فيها الوعي مفقوداً كلياً أو جزئياً، وفيها يتجرد الفرد عن سياق تفكيره وعاطفته وتطغى على شعوره تجربة عاطفيَّة وفكريَّة معينة. وقد تتطور الحالة الى استحواذ، فيتصرف الفرد كما لو أنَّ شخصاً آخر أو روحاً معينة أو قوة خارجية تأمره، وعندها يحصل فقدانٌ في الإحساس بالهويَّة الشخصيَّة والدراية التامَّة بما يحيط بالفرد، وفيها أيضاً يكون انتباهه مركزاً في جانبٍ أو جانبين مما يحيط به، مصحوبة في الغالب بحركات متكررة أو وقفة شاخصة. وعليه ينبغي تفريق اضطرابات الغيبوبة عمَّا يحصل في حالات الفصام والذهان الحاد والهلوسات والأوهام وتعدد الشخصيَّة.
أما الإغماء فيعني فقدان الوعي مع ظهور علامات عصبيَّة دالة عليه، وهو من أكثر الحالات شيوعاً بين النساء، ويسمى (الهستريا)، غير أنَّ الإغماء في الهستريا قلّ أنْ يكون فقداناً كاملاً للوعي. ويحدث الإغماء (أو الموعة بتعبيرنا الشعبي) بسرعة، مشروطاً بظروفٍ نفسيَّة متنوعة من قبيل: مفاجأة بمصيبة أو خسارة أو فشل (عاطفي في الغالب: فسخ خطوبة مثلاً أو طلاق). وتتراوح مدة الإغماء من ثوانٍ معدودات الى ساعات، وقد تستمر ليومين أو أكثر في حالات نادرة.
أما النومشة، أو المشي أثناء النوم، فهو حالة بسيطة من حالات تصدع الوعي. ففي أثناء النوم الطبيعي ينشطر جزءٌ من الشخصيَّة ويستولي على زمام الشخصيَّة بكاملها، ينجم عنه أنْ ينهض الفرد من نومه ويمشي أو يقوم بعملٍ منظمٍ كأنْ يفتح (الكنتور) ويستبدل ملابسه ثم يعود الى نومه، وعند استفاقته لا يتذكر شيئاً مما حدث.
وحصل أنَّ أحدهم خرج في ليلة كان التجوال فيها ممنوعاً قاصداً دكانه وكاد أنْ يقتل لولا نباهة الضابط. وتكثر «النومشة» لدى الأطفال، فينتقلون في نومهم من فراشهم الى فراش والديهم، ولا يتذكرون هذا الانتقال في الصباح.
وتحدث بين الكبار حين يتعرض الفرد إلى ضيقٍ أو إرهاقٍ أو ضغوطٍ حادة أو صراعٍ داخلي غير شعوري.
ويمكن تفسير «النومشة» على أنها وسيلة للهرب من ضغطٍ نفسي، أو طريقة للوصول الى رغبة أو حاجة
ممنوعة.
ويذكر المرحوم علي كمال (طبيب نفسي فلسطيني عاش في العراق) حالة طريفة عن فتاة تسكن في قسمٍ داخلي للطالبات مصابة بالنومشة، وفتاة أخرى تنام في القاعة نفسها وتتكلم كثيراً أثناء نومها. وقد لاحظت المشرفة المراقبة أنَّ الطالبة الأولى تنهض من نومها أثناء الليل وتذهب الى سرير الفتاة التي تتكلم في نومها، وتدخل معها في حديث، وتعود الى فراشها لتنام، وفي الصباح لا تتذكر الفتاتان ما دار بينهما من حديث في الليل!
ترى هل حدثت لك مثل هذه الحالات؟
إنْ لا تزال تحدث لك، تواصل معنا.