بيروت: يقظان التقي
افتتح الفنان التشكيلي جميل ملاعب، معرضه الجديد "زهور" في غاليري جانين ربيز، الروشة، بيروت ، ويستمر الى الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
لطاما ارتبطت الزهور بتحولات العمل الفني عند الرسامين في مراحل إنتاجهم، منذ العصور القديمة الى عصر الأنوار والفنون الحداثيَّة الأوروبيَّة، بما تحمله الزهور من تعبيرات جماليَّة وإسهاماتها في حركة الفن الحديث.
الزهرة هي الطبيعة، لكنْ طبيعة مركبة مؤلفة من أجزاء، من دون اختزالٍ ولا تلوث، يربطها الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو بعصر الأنوار، طريقة في التفكير الجمالي والشعور والتصرف، ووعي الإنسان لتاريخ الطبيعة بسماتها الأساسيَّة. يرسمها بودلير "عنواناً للفصول العابرة"؛ الشريرة منها والخيرّة. لكنَّ عنواناً للانعتاق والديمومة في معاينة الجمال، في مواجهة تغييرات الواقع.
كل الفنانين عبروا عن تقنياتهم في رسم الزهرة، وخبؤوها على اعتبارها ممارسة فنيَّة بسيطة تستلزم تقنيات تقليديَّة، خارج التفجرات الإبداعية، كينونة من طبيعة ميتة. يغامر جميل ملاعب مفجر عدة مراحل فنيَّة بين التجريد، والمحفورات والتجربة النيووركية والفن التراثي، وحوليات المدن في الرسم، وملامح القدس العتيقيَّة.
جميل ملاعب ناقدٌ خطرٌ لخصائص الواقع المهين، يرسم ويمارس نوعاً من النقد الذاتي (جيل ليبوفسكي)، لأطوار الزهرة/ العالِم بأطوارها المختلفة، كأغراض انحلال السياسات واختبارٍ آخر لعالم لذة الاستهلاك، خيبة الخيبات. أنْ يكون الإنسان نهباً لزهرة، أفضل من أنْ يكون نهباً لرغبات استهلاكيَّة لا تبقى، فراغاً كيانياً. بين العالم السياسي اللاإنساني المهيمن، أغراض العالم المتشابكة، والأخطاء التقنية المميتة، وبين عالم الزهرة في كينونته الكاملة، يدرك جميل ملاعب في الزهرة عالماً من تناسق أجزاء الحقيقة، في زهرة واحدة، أو زهرات.
ثقافة الطبيعة، رافقت ملاعب في غالبيَّة معارضه، الطبيعة سبقت كل الثقافات، تناسب مجتمعه في الجبل، تُحررهُ من الأغراض الهمجيَّة في المجتمع اللبناني الحديث، تعكس حدسه اللطيف المفتون بالحياة الريفيَّة والمقترن بالبعد التعبيري بين الجماليات والأخلاقيات. الزهرة عالمٌ من الأخلاقيات الذي يراعي الأبعاد الجماليَّة في الفلسفات الإنسانيَّة القديمة.
في معرضه الجديد، أينع ملاعب ربيعاً آخر، استثمار ذكي في عالمٍ تهمله المدينة الحديثة، فيستجلي معنى الحياة، معنى الجمال/ المجال، كل زهرة فكرة، في عالمٍ من دون أفكار. زهور ملاعب في مواجهة عبثيَّة لصيقة بالحياة. نقد جذري لثقافة اصطناعيَّة، مجتمعات ما بعد استهلاكيَّة، لا تدعي القدرة مع كل عظمتها على تخطي زهرة.