اكتشاف مرض التوحد في سنٍ متقدمة عمرياً

علوم وتكنلوجيا 2023/01/22
...

 سو نيلسون

 ترجمة: فجرمحمد

تمَّ تشخيص الصحفيَّة سو نيلسون بالتوحد في وقتٍ متأخرٍ من حياتها، ما جعلها ترى بعض العادات والتصرفات التي كانت تقوم بها في طفولتها بطريقة مختلفة تماماً. وهذه المقالة تعبر عن لسان حالها:

لم يكن أحدٌ يعلم أنني مصابة بالتوحد عندما كنت طفلة، لكنْ بالعودة إلى الوراء والى طفولتي تحديداً، كان هناك عددٌ من القرائن أو الأدلة الحسيَّة التي تثبت ذلك". بصرف النظر عن الميل إلى تحسس الأقمشة الناعمة بشكلٍ متكررٍ أو تمرير حبيبات الرمل في أصابعي، فقد كنت أقوم بحركات دائريَّة وأهز جسمي بشكلٍ لطيفٍ لكي أهدئ من روعي آنذاك.

"عندما تمَّ تشخيصي في نهاية المطاف بالتوحد، وتحديداً في سن الستين عاماً أعطاني ذلك فهمًا جديدًا لكيفيَّة ولماذا كنت أتصرف هكذا". تضمن ذلك بعض سلوكيات الطفولة، من عادة التمسيد على القماش إلى طريقة لعبي بالألعاب والإصرار على أطعمة معينة. لكنَّه أثار أيضاً أسئلة، على سبيل المثال ما الذي قد تكشفه هذه التصرفات بشأن تجربة الأطفال المصابين بالتوحد مع العالم؟ وكيفيَّة مساعدتهم؟

بصفتي صحفيَّة مهتمة بالعلوم، أتطلع بطبيعة الحال إلى البحث العلمي للحصول على إجابات وهناك مجموعة متزايدة من الأدلة، التي تقدم رؤى جديدة رائعة للسلوكيات التي كانت تُعدُّ منذ فترة طويلة لغزًا. يؤثر طيف، أو مرض التوحد، في طفلٍ واحدٍ من بين مئة طفل، وفقاً لمنظمة الصحة العالميَّة. فإنَّه حالة تتعلق بالنمو ناتجة عن اختلافات في الدماغ يمكن أنْ تؤثر في كيفيَّة امتصاص الشخص للمعلومات ومعالجتها. وعادة ما يتم تصنيف الحالات وفقاً لنوع الطيف، من خفيفة إلى شديدة. وفي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقليَّة الذي نشرته الجمعيَّة الأميركيَّة للطب النفسي فقد تمَّ تقسيم الطيف إلى ثلاثة مستويات، حيث يحتاج المصابون بالتوحد من المستوى الثالث إلى "دعمٍ كبيرٍ جدًا".


سمة شائعة

فالدوران والتأرجح أفعالٌ متكررة وإيقاعيَّة، وهي سمة شائعة للتوحد وسلوك لتنبيه الذات أو "التحفيز". ويمكن أنْ تشملَ أيضاً حركاتٍ مثل رفرفة اليد، هز القدم ونقر الأصابع. ولغاية يومنا هذا لا يمكنني مقاومة ملامسة ملابس الكشمير أو الفراء الصناعي في المتاجر، ولمس الجزء الناعم الخلفي لأي معطفٍ أراه.

بعض أشكال التهدئة يمكن أنْ تكونَ ضارَّة ويجب معالجتها، مثل قيام الطفل بضرب رأسه بشكلٍ متكررٍ بالحائط. وقد لا تكون حركات خارجة عن السيطرة، وغالباً ما يمكن وصفها بأنها آليَّة للتأقلم ومهدئة. وبالنسبة لي وللآخرين يمكن للتأرجح التقليل من القلق.

كنت أميل في طفولتي إلى إعادة ترتيب الألعاب باستمرار إلى فئات، مثل: الحجم أو اللون بدلاً من اللعب بها وهو أمرٌ شائعٌ بين الأطفال المصابين بالتوحد، وهذا لم يؤثر كثيراً في الأسرة، لكني أعتقد أنَّ تفضيلي لحساء الطماطم والشوكولاتة، من بين جميع الأطعمة الأخرى، كان سبباً لمشكلة أحياناً. ولحسن الحظ فقد تفهم الوالدان الأمر ولم يجعلا من طاولة الطعام ساحة معركة مستمرة.


حساسيَّة مفرطة

في الحقيقة يصنف الأطفال المصابون بالتوحد بأنهم (انتقائيون في طعامهم). وقد وجدت إحدى الدراسات المهمة أنَّ سبعة أطفال من بين 10 لديهم سلوكيات أكلٍ غير نمطيَّة، والأكثر شيوعًا هو أنَّ أطعمتهم المفضلة محدودة جداً. كما تظهر الأبحاث أيضًا أنَّ الأطفال المصابين بالتوحد حساسون للغاية لنكهات الأطعمة ورائحتها وقوامها. 

أمضت "اوتا فريث" الأستاذة بمنصب فخري في جامعة لندن، حياتها المهنيَّة في دراسة سلوك الأطفال المصابين بالتوحد، وتنوه بأنَّه في الماضي كان هناك نظريَّة مفادها أنَّ المشاعر غائبة أو مضطربة لدى مرضى التوحد، لكنها تعتقد أنَّه أمرٌ غير صحيحٍ على الإطلاق"، على العكس من ذلك فإنَّ العواطف واضحة جداً بما فيها القلق الشديد ونوبات الغضب والعدائيَّة. يمكن أنْ يؤدي هذا إلى الانهيارات الشبيهة بنوبات الغضب، وغالباً ما تحدث بسبب الجهد الحسي والعصبي الزائد.

أما العالِم كاب فيشير الى أنَّه عندما يتعرض المصاب بالتوحد لضوء أو صوتٍ شديدين، فإنَّه يميل الى إبعاد نفسه عن هذه البيئة أو ارتداء سماعات للرأس أو نظارات شمسيَّة، أو القيام بأي شيء آخر يخفف لديه من حدة الإحساس بالضوء والصوت.

ويعتقد كاب أنَّ البحث الذي أجري وخاصة للاستماع إلى الأشخاص المصابين بالتوحد أسهم في قلب عددٍ من المفاهيم الخاطئة، مثل الافتراض الشائع بأنَّ الأشخاص المصابين بالتوحد غير مهتمين بالتفاعلات الاجتماعيَّة. وأنهم انفراديون بطبيعتهم "يتناقض تماماً مع شهادات العديد من المصابين بالتوحد أنفسهم، بمن فيهم العالم كاب نفسه.

ويفسر كاب العزلة الذاتيَّة التي يميل إليها غالباً بعد أي تواصلٍ اجتماعي، هو لشحن بطاريته كما يقول وتجنباً للعواطف والمشاعر الزائدة وموازنة أسلوب التحفيز الذاتي.


عن بي بي سي