عبد الرحمن منيف

الصفحة الاخيرة 2023/01/25
...

زيد الحلي 

قلّ ذكر الروائي الراحل د. عبد الرحمن منيف في الصفحات الأدبية والمجلات الثقافية، بينما كان الرجل في حياته نجماً في الإبداع وتتسابق وسائل الإعلام للكتابة عنه، وعن رواياته. إنها دنيانا الهزيلة، المنافقة، تحاكي الظاهر من الأشياء وتبتعد عن الجوهر!.

في حياة عبد الرحمن منيف، العديد من الأقدار والمصادفات والتناقضات، أولها ثلاثية إبصاره الدنيا في عام 1933، إذ كان أبوه نجدياً، وأمه عراقية، ومكان الولادة أردنياً.

ورباعية حياتية أخرى هي تفوقه دراسياً في الثانوية التي أنهاها في العاصمة الأردنية، وتابع دراسته الجامعية في بغداد، حيث درس الحقوق لمدة عامين، ثم طـــُرد لأسباب سياسية، ليُكمل دراسته في العلوم الاقتصادية في جامعة القاهرة، ومن القاهرة سافر إلى بلغراد للدراسة العليا ليحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط.

ويعود إلى ثلاثية حياة جديدة، يختار العمل في مجال النفط في دمشق، ثم يتركها للعمـــل في بيروت بالاختصاص ذاته، ليختــــار بغداد مكاناً للعمل في الصحافة النفطية من خلال ترؤس تحرير مجلة "النفط والتنمية" التي صدرت في بغداد. ويبدو أن متوالية التناص في حياة د. منيف، تلتصق به دون وعي منه، فيصدر "خماسية" بعنوان "مدن الملح" تضم خمسة أعمال متصلة في المعنى، منفصلة في التفاصيل.

وفي مجلة "النفط والتنمية" اقتربت من عبد الرحمن منيف، إذ صادف أن تجاور مكان المجلة مع غرفتي في الجريدة التي أعمل فيها، واستمرت "جيرتنا" سنوات عدة، هي الأجمل في حياتي. تعلمت منه الكثير، ولعل في سطور إهدائه لي روايته "حين تركنا الجسر" المذيلة بتوقيعه، ما يعطي مفهوماً جديداً لفن الرواية وكينونتها، بالعكس تماماً من آراء جمع كبير من الروائيين. ماذا يقول الإهداء؟ "أخي زيد.. إن الرواية ليست دواء لحالة معينة بمجرد ظهورها تشفى هذه الحالة.. مودتي".

ثم اكتشفتُ لاحقاً أن معنى هذا الإهداء، أخذ يبشر به في مقالات ومقابلات، مؤكداً أن دور الرواية ليس الوعظ، إنما لبسط رؤى تستقيم مع فكر الكاتب وفهمه للحياة. وعندي هذه الرواية، هي قمة ما كتب، لكنها لم تأخذ حظها في الدراسة والانتشار، إذ اعتبر الكثير من النقاد أن روايته "مدن الملح" هي في الصدارة من أعماله الروائية.

منيف صاحب نبرة تستعصي على التصنيف البسيط، أداؤه الإبداعي متحرر من المحلية والقومية. ينحو إلى فضاء الإنسانية. لقد تعلمت منه ألا أركن أبداً إلى أحلام اليقظة، وألا أهرب من معركة الحياة، لأن الهارب منها، كمن يهرب من معركة الحق. وأن الشمس لا تأتمر بأمر أحد. وصدق د. عبد الرحمن منيف، فالشمس هي 

سيدة الحياة.