علي حسن الفواز
ممارسات التطرّف اليميني في أوروبا، تكشف عن سياسة عنصرية، وعن غلوٍ لا يقلُّ في عنفه الثقافي الرمزي، عن عنفه المادي، فالتطرّف يظل عنواناً مشتركاً لكلِّ الجماعات التي تتبنى خطاب الكراهية..
ما قام به المتطرف اليميني راسموس بالودان بإحراق نسخة من المصحف الكريم أمام السفارة التركية في استكهولم، ليس بعيداً عن هذا السلوك العدائي، فضلاً عن أنه يضع "العقل الغربي" الديمقراطي والليبرالي، أمام أسئلة مفارقة، وإزاء جدوى علاقة هذا "العقل" بقيم الحرية، والتنوع، واحترام عقائد الآخرين..
هذا الفعل المشين ليس جريمة بالمعنى الجنائي فحسب، بل إنه جريمة فائقة الخطورة بالمعنى الثقافي، والإنساني، وحتى القانوني، فالتجاوز على حقوق الآخرين، وعلى عقائدهم، يكسر القاعدة الأهم في "الديمقراطيات الرأسمالية" القائمة على أساس التنوع والتعدد، فيكشف عن كثيرٍ من مظاهر الرثاثة الغارقة فيها، وعن تمركزات أشكالها وممارساتها المتعالية، والتي تقوّض حقَّ الاختلاف، بل إنها تجد في المركزية السياسية مجالاً إيهامياً لفرض خطاب التفوّق، وخلط الأوراق، وبذرائع تفتقد إلى التسويغ والمصداقية، ولوعي مسؤولية احترام الآخر.
فبقطع النظر عن علاقة جريمة حرق نسخة المصحف الكريم، بالطابع السياسي، وبموقف تركيا الرافض لانضمام السويد إلى حلف الناتو، إلّا أن الأمر ليس بعيداً عن مظاهر صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وجماعات النازية الجديدة، وتهديدها للأمن المجتمعي، والتي باتت تدعو علناً إلى طرد أبناء الجاليات من غير الأوروبيين، وتتبنى خطاباً عنصرياً ضدهم، يعيد إلى الأذهان سياسة التطهير العرقي والديني والهوياتي.
هذه الممارسات، ونهج "الإسلامفوبيا" في الغرب الأوروبي، تتطلب إجراءات نقدية، لا تكتفي بالاعتذار، ولا حتى بالتنديد، بل تستدعي إجراءات رادعة، لأنها تحمل معها توجهات عنصرية، يمكن أن تفتح الأبواب على استشراء مظاهر حادة للعنف الاجتماعي، لاسيما أنها تعيد للذاكرة مانشرته مجلة " شارلي ايبدو" الفرنسية، من رسوم كاركتيرية لرموز دينية إسلامية، والتي قوبلت بردود فعل عنيفة، أدركت الحكومات الأوروبية أخطارها، فقامت باتخاذ إجراءات رادعة لمنع تكرارها، والدعوة لاحترام عقائد الآخرين وحرياتهم وحقوقهم داخل الفضاء الأوروبي المتعدد.