قاسم الأعرجي

الصفحة الاخيرة 2023/01/26
...

حسن العاني
أمر غريب رافق مسيرتي الصحفية، التي قاربت من ستين عاماً، وهي شحة التكريمات الحقيقية (أنا لا أضع الشهادات التقديرية والدروع الزجاجية في خانة التكريمات، فعندي منها حمل بعير)، وأقصد بالحقيقية تلك التي تنعش الروح، وتجعلك قادراً على دعوة حبيبتك إلى وجبة عشاء فاخرة، وتشتري لها هدية تناسب حجم أكاذيبك العاطفية والرومانسية!

مسيرتي تؤكد بأن تكريماتي لم تكن شحيحة فقط، بل كان معظمها كذلك غريباً، يحضرني منها تكريم شملتني به هيأة أو مؤسسة السياحة مشكورة، وكان ذلك في ثمانينات القرن الماضي إن لم تخذلني الذاكرة، والغرابة تكمن في سبب التكريم، حيث قال لي الرجل الذي تولى تقديم الهدايا للمشمولين وهو يبتسم [نحن نكرم حسن العاني استثناء، لأنه الوحيد الذي لم نسلم من قلمه اللاذع!]، وربما شجعني هذا على مزيد من الكتابات النقدية الساخرة على أمل الحصول على مزيد من التكريمات.. ولكن محاولتي لم تنجح مع الأسف!.

التكريم الأغرب كان في تسعينات القرن الماضي، حيث كنت في جولة صحفية مع الزميل حميد عبدالله لإنجاز عدد من التحقيقات الخاصة بالمدن العراقية لصالح مجلة (ألف باء)، وفي اثناء ذهابنا الى ناحية البطحاء في محافظة ذي قار، وانجاز مهمنا، تولى مدير الناحية تكريمنا (ببعيرين)، وقد حاولنا الاعتذار عن قبول هديته بأية طريقة ووسيلة، ولكنه أصر وأقسم، وقد اقترحت يومها على الصديق حميد أن يركب كل واحد منا بعيره ونعود إلى بغداد، وبذلك نوفر أجرة الطريق، وضحكنا ساعتها ما وسعنا الضحك، ولم نجد أمامنا أي حل سوى الهرب من الناحية، تاركين للرجل بعيريه مع رسالة شكر واعتذار !.

سألت نفسي مرة، لماذا هذه الشحة؟! وسرعان ما اكتشفت أنني كائن مجبول على الابتعاد عن (المسؤولين الكبار)، لا يقرب منهم ولا يطرق بابهم ولا يمتدحهم، غير أن حدثاً أملته المصادفة لوحدها جعلت السيد قاسم الأعرجي (وهو مشمول بوصف المسؤولين الكبار) يتولى تكريمي مع نخبة من الإعلاميين والفنانين، وقد فوجئت أن الرجل يفتح ذراعيه ويستقبلني استقبال المنتصرين، ووجدت نفسي أرد (حضنه) بحضن مقابل، ومع ذلك حضرت الغرابة في هذا التكريم، فقد كنت واضحاً معه وقلت له كلاماً استحق عليه نوط شجاعة [تعرف استاذ قاسم.. آني أقسو عليكم جداً في مقالاتي!] فرد عليّ رداً يستحق عليه وسام الرافدين [في أحيان كثيرة نحن نستحق هذه القسوة، وأنا ممتن جداً منك لأنك لا تحسن مهنة الصفيق!]، عبارته عززت موقفي النقدي، لذلك أردت الاتصال به بعد حفلة التكريم لكي أشكره، وقد حاولت على مدى شهرين وفشلت، فلم أحصل على هاتفه ولا عنوان سكنه ولا مقهى الطرف التي يذهب إليها.. شكراً على ما رأيته وسمعته منك.. وشكراً لجريدة الصباح الغرّاء التي وافقت على نشر هذه المقالة وأراحتني من مهمة البحث عن مسؤول كبير.