صندوقٌ صغيرٌ قد يصبح مستقبل البناء في الفضاء

علوم وتكنلوجيا 2023/01/26
...

  برانشو فيرما

  ترجمة: أنيس الصفار

واجه رواد الفضاء على مدى عقودٍ تحديات صنع وبناء ما يحتاجون إليه من أشياء في الفضاء، واليوم يحاول الباحثون تغيير هذا الواقع. ففي يوم 6 كانون الثاني الماضي أتمَّ رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدوليَّة، بمساعدة من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.

تجربة استمرت 45 يوماً استخدموا فيها صندوقاً صغيراً بحجم فرن المايكرويف يقوم بحقن مادة راتنجيَّة خاصة داخل أغلفة من السليكون لصنع أجزاءٍ وقطعٍ معينة مثل الصواميل والبراغي وغير ذلك.

بعد عودة هذه الأجزاء المصنعة في الفضاء الى الأرض سيباشر العلماء بإجراء تقييمٍ لها وتحري ما إذا كانت صناعتها بهذه الكيفيَّة قد حققت النجاح المتوخى، وهي عمليَّة قد تستغرق مدة أسابيع.

إذا ما ثبت الأمر فإنَّ هذه التجربة ستمهد الطريق أمام رواد الفضاء لبناء أجزاءٍ كبيرة وضخمة يكاد يكون من المستحيل صناعتها على الأرض بسبب تأثير الجاذبيَّة، كما أنها ستمكن من تطوير عملية البناء في الفضاء.

تقول "أرييل إيكبلاو" مؤسسة "مبادرة استكشاف الفضاء" إنَّ هذه الوسيلة سوف تمكننا من بناء محطات الفضاء أو إجراء التعديل عليها بشكلٍ أسرع وتكاليف أقل وبقدرٍ أدنى من التعقيد. تضيف إيكبلاو: "هذه التجربة ستبدأ فتح مغاليق فرصٍ أخرى للاستكشاف".

يدور تسابقٌ شرسٌ لاستكشاف أجزاءٍ شاسعة من الفضاء، ومحطات الفضاء عنصرٌ ضروريٌّ وحاسمٌ في تلك المساعي لأنها تؤوي رواد الفضاء كما تقوم بدور مراكز للأبحاث. بيد أنَّ بناء وصيانة محطات الفضاء عمليَّة مضنية وباهظة التكاليف، كما يقول الباحثون؛ لأنَّ هناك العشرات من الأجزاء التي ينبغي صنعها على الأرض ثم شحنها الى الفضاء كلاً على انفراد. بعد ذلك يتطلب الأمر من رواد الفضاء في أغلب الأحيان الخروج والسباحة في الفضاء لنصبها وتجميعها يدوياً.

تشرف إيكبلاو وأفراد فريقها من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا على عدة مشاريع تهدف الى تحديث أساليب البناء في الفضاء، والمشروع الحالي الذي يركز على دراسة العمليَّة المسماة "الإطلاق الانبثاقي" هو الجزء التجريبي الأهم على حدّ تعبير إيكبلاو. المشروع الثاني يهدف الى صنع قطعٍ على شكل بلاطات منفردة يمكنها التراكب والتجميع ذاتياً في الفضاء، أما المشروع الثالث فيتمحور حول إنتاج بلاطات متصلة ببعضها البعض ولها القدرة على الانثناء في طيات بما يشبه أسلوب الأوريغامي (وهو فن تشكيل الورقة المنبسطة بهيئة حيوانات أو أشياء عن طريق الطي والثني بأسلوبٍ معين) ومن بعد ذلك العودة الى الانبساط والتفتح تلقائياً.

تقول إيكبلاو إنَّ الصندوق موضوع الدراسة يعملُ بطريقة حقن المادة الراتنجيَّة، المنقولة من الأرض، في قوالب من مادة السليكون قابلة للتشكيل على هيئة القطع أو الأجزاء المطلوبة. وبمجرد أنْ يملأ الراتنج القالب يسلط عليه الضوء فوق البنفسجي فيتصلب متخذاً شكل القطعة المقصودة.

إذا ما أثبتت العمليَّة نجاحها فستكون لها فائدتان، لأنَّ رواد الفضاء سوف يتمكنون من استعمال هذه الآلة لصنع القطع والأجزاء التي تتطلب الاستبدال فوراً بدلاً من انتظار وصول صاروخٍ يأتيهم بها من الأرض. تقول إيكبلاو: "إذا ما كنت مضطراً الى الانتظار لمدة أسبوعين كي يأتيك برغي تحتاج إليه لإنقاذ حياتك على المحطة فإنَّ تمكنك من صناعته فوراً سيكون مكسباً واضحاً في جانب السلامة".

أما على المدى الأبعد، كما تضيف إيكبلاو، فإنَّ مستكشفي الفضاء سوف يستطيعون استخدام الصندوق لبناء أجزاءٍ كبيرة الحجم جداً مثل تلك التي تتسع لاحتواء الألواح الشمسيَّة أو تقوم مقام الهياكل الساندة لبدن محطة الفضاء نفسها. فلو حاول مسؤولو الفضاء القيام بذلك على الأرض لتدلّت تلك الأجزاء وانحنت تحت تأثير الجاذبيَّة.

رغم ذلك تبقى هناك تحديات على الطريق. تقول إيكبلاو إنَّ تجاربها في البناء ستحتاج الى مزيدٍ من الاختبارات، وكل جولة جديدة من هذه الاختبارات تتطلب إطلاق قطعٍ وأجزاءٍ الى الفضاء ولهذا ثمنه وتكاليفه.

حتى لو بلغت هذه الطرق مستوى الإتقان الكامل وجرى استخدامها في الجيل المقبل من المباني والمنشآت الفضائيَّة فسوف يبقى هناك الكثير مما ينبغي القيام به لجعل تلك البيئات صالحة للعيش فيها، مثل توفير الحماية من الإشعاع وتزويد الأبنية بالأنظمة الداعمة للحياة ووسائل خزن المياه وتنمية النباتات.

عن صحيفة "واشنطن بوست"