هنا.. مَوطن ركلة الجزاء

الرياضة 2023/01/30
...

علي رياح



عند مدخل بلدة ميلفورد في ضواحي العاصمة الأيرلندية دبلن، تنتصب واجهة كبيرة تتصدرها عبارة "هنا.. مَوطن ركلة الجزاء"!

وليس بعيداً عن هذا المفترق، يحيط سياج حديدي أبيض بأرض تتوسطها نسخة طبق الأصل من كرة باللونين الأبيض والأسود استخدمت في مونديال مكسيكو 1970.. هذه الكرة تعلو قبر (ويليام ماكلوم) حارس المرمى المغمور الذي غيّرَ طبيعة ولغة كرة القدم حين اخترع ركلة الجزاء!

كان ماكلوم الذي ينتمي لعائلة بالغة الثراء تمتلك معامل لصناعة الكتان، حارساً لمرمى فريق ميلفورد عام 1885.. وحسب موقع (ذي أثلتيك) فإنه في أول موسم له خسر فريقه كل مبارياته الأربع عشرة في البطولة المحلية، لكنه لم يكن في حاجة إلى عناء شديد ليكتشف قسوة اللعبة والخشونة التي تتميز بها خصوصاً في المناطق القريبة من المرمى.. وحين توفي أحد لاعبي فريق ليسيستر نتيجة اصطدام خشن مع لاعب آخر، راح ماكلوم يبحث عن طريقة لإيقاع العقوبة اللازمة، فكتب عام 1890 إلى المجلس الدولي التشريعي لكرة القدم في اجتماعه السنوي في لندن حول اعتماد اختراعه (ركلة الجزاء)، وقوبل المقترح بلا أبالية شديدة!

بعد عام واحد فقط وضع مالكوم بمساعدة مواطنه جاك ريد عضو المجلس، مقترحه مجدداً على طاولة الاجتماع في غلاسكو وتمّت مناقشة الفكرة وإقرارها لتصبح المادة (14) في قانون كرة القدم.. ثم جرى عليها تعديل لاحق، ففي البدء كان خط مسافة الإثنتي عشرة ياردة يمتد على عرض الملعب كله وكان في وسع اللاعب المنفذ أن يضع الكرة في أية نقطة على هذا الخط وله خيار أن يدحرجها أو يسددها مباشرة نحو المرمى، كما أن في وسع الحارس أن يتقدم لملاقاته لمسافة ست ياردات من خط المرمى!

لم يكتف ماكلوم بهذا التحول الكبير في طبيعة اللعبة، وإنما اقترح عام 1902 تحديد نقطة الجزاء كما تمّ وضع حدود منطقة الجزاء فأصبحت ثماني عشرة ياردة، وبعد ثلاث سنوات أجيز تعديل آخر وهو ألا يتحرك الحارس من خط المرمى قبل لحظة التنفيذ!!

لم تَسْلم حياة مالكوم بعد ذلك من فصول الميلودراما القاسية، فلقد انصرف تماماً عن عمل الأسرة وشؤونها وبدّدَ ثروتها حين أدمن لعب القمار في مونتي كارلو، وتوفي مفلساً عام 1932 ودُفن في مقبرة سانت مارك.. لكن ما قدمه لكرة القدم بقي خالداً، ففي عام 1997 تعرضت المساحة الخضراء المحيطة بقبره إلى خطر امتداد مشاريع البناء، غير أن أهل البلدة تصدّوا بشدة لهذه المشاريع، ومازال التمثال النصفي لماكلوم قائماً كدلالة على روعة ما أنجز.. 

قبل أيام فقط، كتب روبرت وهو حفيد الراحل ويليام ماكلوم مقالاً في صحيفة (صاندي تايمز) حيث يعمل محرراً: "ركلة الجزاء اختراع تفتق عنه ذهن حارس مرمى أثخنت شباكه غزارة الأهداف، لكن ذكراه تستعصي الآن على النسيان، فهو مازال بطل العرض الأول كلما جاء ذكر الركلة المرعبة"!!