كيف تتجسَّس الصين على أسرار أميركا التكنولوجيَّة؟

علوم وتكنلوجيا 2023/01/30
...

 واشنطن: بي بي سي


صورة فوتوغرافية تبدو بريئة كانت السبب في السقوط المدوي لزينغ شياوكينغ الموظف السابق بمجموعة شركات جنرال إلكتريك باور.

وفقاً لوزارة العدل الأميركيَّة، كان المواطن الأميركي زينغ يخفي ملفات سريَّة سرقها من شركته في كودٍ ثنائي لصورة فوتوغرافيَّة للغروب أرسلها بالبريد الإلكتروني لنفسه.

فعل ذلك باستخدام تقنية تسمى "ستيغانوغرافيا"، وهي وسيلة لإخفاء ملف معلوماتي داخل كود ملف معلوماتي آخر. وقد استخدم زينغ تلك التقنية عدة مرات لسرقة ملفات حساسة من جنرال إلكتريك.

المعروف أنَّ جنرال إلكتريك مؤسسة ضخمة تضمُّ عدداً من الشركات متعددة الجنسيات تعمل في قطاعات الرعاية الصحيَّة والطاقة والفضاء، وتصنّع العديد من الأشياء، من الثلاجات إلى محركات الطائرات.


معركة أوسع

المعلومات التي سرقها زينغ كانت تتعلق بتصميم وتصنيع محركات توربينيَّة تعمل بالغاز والبخار، بما في ذلك شفرات تلك التوربينات وآلية منع تسرب البخار منها. وقد أرسل زينغ تلك المعلومات التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات إلى الصين التي كان متواطئاً معها. الهدف هو أنْ تستفيد الحكومة والشركات والجامعات الصينية من تلك المعلومات.

ألقي القبض على زينغ وحكم عليه بالسجن لمدة عامين في وقت سابق من الشهر الحالي. وقضيته هي الأحدث في سلسلة من قضايا مماثلة حققت فيها السلطات الأميركيَّة. ففي تشرين الثاني الماضي على سبيل المثال، صدر حكم بالسجن لمدة 20 عاماً على زو يانجون، الذي يوصف بأنه جاسوس محترف، بتهمة التخطيط لسرقة أسرار صناعية من عدة شركات أميركيَّة متخصصة في مجالي الطيران والفضاء، بما فيها جنرال إلكتريك. وتلك القضايا هي جزء من معركة أوسع، حيث تحارب الصين من أجل الحصول على المعلومات التقنية التي تمكنها من تقوية اقتصادها وتحدي النظام الجيوسياسي العالمي، في حين أنَّ الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لمنع ظهور منافسين جديين للنفوذ الأميركي.

سرقة أسرار صناعية شيء مغر، لأنها تسمح للبلدان "بصعود سلم التقدم العالمي بسرعة نسبية - وبدون التكلفة التي تتحملها، سواء من الناحية المادية أو في ما يتعلق بالوقت الذي سيستغرقه ذلك - إذا ما هي اعتمدت اعتماداً تاماً على قدرات مواطنيها"، كما يقول نيك مارو من وحدة التحليلات الاستخباراتيَّة التابعة لمجموعة إكونوميست الإعلاميَّة.


الهيمنة على الصناعات الحيويَّة

في تموز الماضي، أخبر كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي "إف بي آي" جمعاً من رواد الأعمال والأكاديميين في لندن بأنَّ الصين تهدف إلى "نهب" الأصول الفكرية للشركات الغربية لكي تتمكن من إسراع وتيرة تقدمها الصناعي والهيمنة على الصناعات الحيوية في نهاية المطاف.

ونبه إلى أنها تتجسس على الشركات في كل مكان "من المدن الكبرى إلى البلدات الصغيرة، من الشركات المدرجة في تصنيف فورتشن-100 لأكبر الشركات الدولية من حيث العائدات، إلى المشروعات حديثة الإنشاء، ولديها أشخاص يركزون على كل شيء، من الطيران إلى الذكاء الاصطناعي إلى صناعة الدواء".

وقتها، رد المتحدث باسم الخارجية الصينية آنذاك زاو ليجيان قائلاً إنَّ السيد راي يسعى إلى "تشويه سمعة الصين" وأنه يحمل "عقلية الحرب الباردة".

كان زينغ مهندساً متخصصاً في تقنيَّة منع تسرب البخار والغاز في المحركات التوربينيَّة، وعمل في عدة مشروعات تتعلق بتقنية احتواء التسريبات في مجال الهندسة التوربينية.

تعدُّ المحركات التوربينية التي تشغل الطائرات في غاية الأهمية لمجهودات تطوير صناعة الطيران الصينية.

ومعدات الفضاء والطيران من بين 10 قطاعات تستهدفها السلطات الصينية بغية تحقيق تقدم سريع لتقليل اعتماد البلاد على التكنولوجيا الأجنبية، والتفوق عليها في نهاية المطاف.

لكنَّ التجسس الصناعي الصيني يستهدف العديد من القطاعات الأخرى أيضاً.

وفقاً لراي وانغ، مؤسس مجموعة كونيستيلاشن ريسرتش (Constellation Research) للاستشارات والأبحاث، التي تتخذ من وادي السيلكون مقرا لها، تشمل تلك القطاعات صناعة الدواء وتقنية النانو - وهي الهندسة والتكنولوجيا التي تقوم بدراسة المادة بأبعاد متناهية الصغر، وتُستخدم في مجالات كالطب وصناعات الغزل والنسيج والسيارات. والنانومتر هو جزء من المليار من المتر.

كما تشمل أيضاً الهندسة الحيوية التي تقوم بمحاكاة العمليات الحيوية واستخدامها في مجالات كصناعة الأطراف الصناعية وهندسة الأنسجة.

ويستشهد السيد وانغ بما قاله مدير سابق للبحث والتطوير بإحدى شركات فورتشن 100 من أن "أكثر شخص كان يحظى بثقته" - وهو شخص كان مقربا منه للغاية وقد تربى أبناؤه مع أبنائه، تبين أنه كان يعمل لحساب الحزب الشيوعي الصيني.

يقول السيد مارو كان التجسس الصناعي في السابق من قبل بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة يشكل مصدراً للقلق. غير أنه بمجرد أنْ تصبح الشركات المحلية شركات مبتكرة رائدة في السوق، ومن ثم تبدأ في حماية حقوق ملكيتها الفكرية، فإنَّ حكوماتها تبدأ بدورها في تمرير تشريعات لكي يؤخذ الأمر على محمل الجدية بشكل أكبر.

ويضيف: "بينما أصبحت الشركات الصينية أكثر ابتكارا خلال العقد الماضي، رأينا أن ذلك رافقه تعزيز واضح لحماية حقوق الملكية الفكرية".