سوسن الجزراوي
جميعنا يدرك ما هي مواقع التواصل الاجتماعي، والدور الخطير الذي تلعبه، كونها مواقع متاحة للجميع، والوصول اليها سهل جدا، وانتشارها اليوم يكاد يدخل في تنافس مع سرعة (الصوت والضوء).
وتكمن خطورة هذه المواقع، في انها تروّج لكل شيء وأي شيء، بعيدا عن عمق المحتوى أو سطحيته.
واذا كان ترويجها للسلع الفاسدة وغير المجدية، يقع في آخر خانات الخطورة، فترويجها للامعات البشرية هو الأخطر بلا شك، لأنه يطرح أحيانا أسماء لا تستحق أن تكون موضوعا للجدال حولها، كونها مرفوضة جملة وتفصيلا! ومع ذلك، نرى أن هذه الأسماء هابطة المحتوى، تتصدر أولى صفحات هذه المنصات، المقروء منها والمسموع والمرئي، لتبرز بالتالي وكأنها (ترندات) عالمية تكاد تصل إلى أبعد الحدود سواء محليا أو دولياً.
ولو دققنا النظر وتمعّنا جيدا بما يقدمه شخوص هذه الظاهرة، نجد الإسفاف بأعلى مستوياته، والانحطاط الاخلاقي يسجل حضوره في (موسوعة غينيس)، والابتذال حدّث ولا حرج،، المصيبة الاكبر في كل ما يحدث، أن هؤلاء المخلوقات يصلون إلى جميع شرائح المجتمع ولكل الفئات العمرية، وهنا تكمن الخطورة!.
فالمتلقي الصغير ستصقل ذائقته على هذا المستوى الهابط، والشباب دون ادنى شك، سيتخذون من هذه النماذج إما وسيلة تسلية، وإما (قدوة)، لأنهم يلمسون شهرة هذا النموذج أو ذاك.
وتلعب بعض المنصات المنتشرة بشكل مذهل، دوراً مرعباً في جر هؤلاء الشباب إلى مسارحها الرقيعة هذه، اذ تعمل على مكافأة من ينشر مقاطع فيديو عن نفسه وحياته، وتوعز بالايحاء غير المباشر، بأن المستوى الهابط والمضحك والتافه، هو الاكثر رواجاً في وقتنا هذا، والامثلة والشواهد كثيرة وكلنا نعرفها، الادهى والأمر من ذلك، هو أن (أبطال) هذا التدني الفكري، يصدقون أنفسهم وكما يقال بالعامية (يعيشون اللقطة)، فيقلدون بعضهم البعض ويتنافسون مع اشباههم من الدول الاخرى، فهذه تطلق على نفسها تسمية (نمبر ون)، أي أنها الأولى في تصدر لائحة النجوم والمعروفين، وذاك يستهين بالقيم والذوق العام حتى بأبسط حالاته، حين يغني كلمات هابطة تافهة، ليتم تداولها على السنة الاطفال والشباب معاً، لا بل ويطربون عليها وتخلق لديهم حماساً كبيرا للرقص والانتعاش الروحي، وفي الغالب والأعم، فإن هذه (الترندات)، سواء كانت على هيأة أشخاص أو على هيأة سلع أو شعارات لسلوكيات اجتماعية معينة، فإنها لم تأتِ بالصدفة إلا ما ندر منها، فهذه جميعاً يتم تصنيعها وتصديرها وتسويقها بشكل منظم، تقف وراءها جهات، بعضها معروف وبعضها لا يعلم بها الا الله والمتبحرون بالانحطاط والتشوه النفسي.
الملفت للنظر في هذا الموضوع، هو الادعاءات الزائفة والشعارات الفارغة وبعض المواعظ والنصائح، التي يطلقها اهل العلم والثقافة ومنظمات المجتمع المدني وبعض رجال الدين، حول انتشار ظواهر غريبة على مجتمعنا، ولا تمت لنا بأي صلة واننا جميعاً براء منها، كل هذا ولا من رادع ولا من قانون يمنع انجرار المجتمع مع تيار المشاهدة والتقليد لهذه الظواهر، التي خلقت نماذج ممسوخة لا ملامح
لها.
اضف إلى ذلك هو غياب دور الاهل والمدرسة عن متابعة مايجري وما يفعله الجيل المغيب في متاهات (التيك توك) والفيسبوك واليوتيوب وغيرها من أرضيات التواصل هذه، ولا ننسى ونحن في سياق هذا الحوار ان نقف عند نظرية (الالهاء)، أو بمعنى أكثر دقة، نظرية اشغال الناس بقضايا فارغة وسطحية ومضحكة، بهدف تمرير ما يراد تمريره أو التستر على جريمة مجتمعية اقتصادية سياسية، أي كان.
وهكذا يظهر ذاك المهرج وتلك المخبولة بصور عديدة وأسماء غريبة ليشغلوا من هم بحاجة لمن يشغلهم، أو من هم في الأساس خاوون وبلا امتلاء فكري، وبهذا تنجح تلك الجهات بالاستحواذ على الافكار النيرة ومصادرة عقولهم، لتفريغها من المحتوى وشحنها بسفاسف الحياة.
وفي ختام هذه الرحلة، يبقى الخاسر الاكبر، هم الناس الذين يشكلون المجتمع، وبالتالي تنجح (ترندات البلاهة) في اختراق الذائقة، ضاربة بعرض الحائط كل التواريخ والقيم والثقافات، لذا كان لا بد للجميع من وقفة أمام ما يحدث كي لانقول: على الدنيا السلام.