بالفنون ترتقي الشعوب أليس كذلك؟

آراء 2023/01/31
...

 علي حسين عبيد


هناك من ينظر إلى الفنون بعين واحدة، وهناك من يستصغر هذه المفردة، سواء في معناها أو في مضمونها، وينكر دور الفنون في تهذيب نوازع الإنسان المختلفة، فتسعى الفنون إلى جعله أكثر جمالاً ولطفاً وتهذيباً وإنسانية وحتى إنتاجا.

ما هي الفنون إذن؟، إنها ببساطة حقيقة الجمال، وحقيقة اللفظ المهذَّب اللطيف، وحقيقة الأفعال التي لا تقسو على الكائنات بأنواعها، وأولها الإنسان، فهل سمعتم مثلا أن فنانا حقيقيا صادقا ومبدعا، أساء لآخرين، وانتقص منهم أو ألحق بهم الأذى النفسي والمعنوي والمادي واللفظي؟

إذا حدث ذلك من فنان ما، فهو ليس بفنان حقيقي، وإنما حشر نفسه في هذا الصنف من التسميات السامية، التي لا بدَّ لمعانيها وأفعالها أن تنطبق واقعيا وفعليا، وتتجسد في شخصيته من خلال ما يخرج منه من أفعال وأقوال وتعاملات مع الآخرين.

لهذا السبب فإن الشعب الفنان، هو شعب مهذَّب متحضّر لطيف وإنساني، وهو شعب غير مسيء لا لنفسه، ولا لأفراده، ولا لغيره من الشعوب، بل الفائدة الأعظم تعود للشعب الفنان، وهو الذي يستفيد من هذه الصفة أكثر من غيره بكثير، فالفنانون هم أول من يستفيدون من فنهم، وهم أول من يقطف ثمار الفن لصالحه.

هذه حقائق وليست كلمات إنشائية ندرجها هنا لنملأ الورقة بالكلمات، إنها حقائق أثبتها تاريخ الفن، وتاريخ الأمم والشعوب الذي اثبت بأن الشعوب الأكثر تحضّرا والأكثر تشبثا بالفنون هي الشعوب التي عاشت في واحة من الهدوء والجمال واللطف، لهذا نتساءل ومعنا آخرون، لماذا تُهمَل الفنون في بلادنا مع أهميتها الكبيرة في تهذيبنا وتشذيبنا من وحشيّتنا؟

قد يعترض بعضهم ويقول: وهل نحن نعاني من صفة التوحش، هل أننا متوحشون بالفعل؟

الجواب يكمن في أعماق كل إنسان، وهو يؤمن بلا أدنى تردّد بأنه إذا فقد حسه الإنساني فهو متوحش، وفقدان الحس الإنسان يحدث بسبب فقدان الإنسان إلى لطف الفنون وسحرها وقدرتها على تلطيف نفسه وتهدئة قلبه وصقل كلماته، وتجميل أقواله وأفعاله تجاه نفسه أولا، وتجاه الآخرين.

لماذا نهمل الفنون إذن؟، وهل يصح هذا الإهمال في بلد يُعَدّ من الحواضن الأولى تاريخيا للفنون؟، مطلوب صحوة فنية سياسية مزدوجة، ولكن لماذا الربط بين الفن والسياسة؟، الجواب لأن الاهتمام بالفنون ودعمها (للأسف) مرتبط بقرار سياسي، ونعني بذلك اهتمام القادة السياسيين بدعم الفن والفنانين، وهذا غير حاصل في بلادنا، أليس كذلك؟

قد ينظر السياسيون إلى أن الشعب الفنان يهدد سلطتهم، لكن هذا ليس بصحيح، لأن الشعب الفنان سوف يكون أكثر تحضّرا، وسوف ينقل هذا التحضّر في القول والفكر والسلوك إلى سياسييه، فيصبح السياسي متحضرا، وهنا يكون الفن قد بلغ أقصى مدياته في التأثير والتطوير والتغيير، فيتحول الإنسان من نزعته العدوانية إلى النزعة المتحضرة التي تنقل الناس من شعوب مضطربة خائفة، إلى شعوب مكتنزة واثقة ومدعومة بالفنون العظيمة