دروس ودروس

الصفحة الاخيرة 2023/01/31
...

حسن العاني

يزعم علماء النفس أن كثرة (الإعادة أو التكرار) على مدى سنوات أو زمن طويل، بإمكانها ترسيخ معلومات في ذهن السامع أو المتلقي، إلى الحد الذي (يمكن) معه أن تصبح تلك المعلومات من بين قناعاته وإن لم يكن مقتنعاً بها، ولا أدري إن كانت (نظرية) غوبلز الألماني التي تقول ما معناه (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) تخضع إلى قاعدة الإعادة والتكرار، لأن كثرة ترديد كذبة ما في وسائل الإعلام على وجه الخصوص، قد تجعل الإنسان شيئاً فشيئاً يقبل بها وربما يصدقها. وأرجو ألا يفهم من كلامي أنني من دعاة هذه النظرية لكوني لا أؤمن بها .

في درس الديمقراطية التي أصبحت من أولويات اهتمامنا في العراق كردة فعل على زمن الكبت وتكميم الأفواه تعلمت الناس بعض معاني هذا الدرس، ومنها إن الشعب هو مصدر السلطات، وهو من تقوم المؤسسات جميعها، من الرئاسات والوزارات إلى دوائر الدولة، على خدمته، وهو من يقرر بقاء زيد أو عمرو في المراكز القيادية. وغير هذا كثير من المبادئ الإنسانية النبيلة التي دعت إليها الديمقراطية على مدى عقدين متواصلين حتى باتت جزءاً من قناعتنا وأفكارنا واهتمامنا..

أما في دروس الحياة الواقعية – وهي من التنوع الذي تجاوز الحصر والعد– وبالذات درس السياسة، فقد شاعت مفاهيم ومصطلحات جديدة لم نألفها من قبل كالأصابع البنفسجية والشفافية والحواسم والمحاصصة والأقاليم والكوتا و (5+1= 7) وحكومة الكفاءات والأكثرية والأقلية و بمقدور أي سياسي مبتدئ أو متابع للفضائيات، أن يذكر قائمة لها أول وليس لها آخر، لعل بعض مسمياتها تثير الفزع على غرار: تحت خط الفقر مثلاً أو المناطق المتنازع عليها.. الخ. على أن اللافت للنظر في دروس الحياة العراقية، أنها لم تبتعد عن درس الديمقراطية، وأولته اهتماماً واضحاً، لأن هذا الدرس البليغ نظر إلى الشعب – كما سبق القول – على أنه مصدر السلطات وعلى أنه وحده من يجب أن يحظى بالرعاية وتقديم الخدمات.. الخ، مثلما نظر باهتمام إلى الرئاسات والوزارات السيادية والوزارات الاعتيادية، وشتى العناوين والمناصب التنفيذية في ضوء (الثقل) الانتخابي للمكونات، وهذا أمر طبيعي ومشروع، ولذلك فإن العقبة الوحيدة التي تنشأ بعد كل انتخابات تتمثل في كيفية توزيع الحصص، وكيفية إرضاء (الجميع) بحيث يأخذ كل واحد منهم حقه ولا يتجاوز (س) على (ص)، وتلك هي قمة العدالة في النظرة والتوزيع!

الأمر الوحيد المحزن، هو أن (الطبقة السياسية) في ذروة انشغالها بتوزيع الحصص، نسيتْ حصة الشعب، حتى أنه بقي منذ عشرين سنة خارج نطاق التغطية، ومن دون أية حصة باستثناء الحصة 

التموينية!.