تقاعد المكوكات الفضائيَّة وكارثة تحطّم {كولومبيا}

علوم وتكنلوجيا 2023/02/02
...

 باريس: أ ف ب

في مطلع شباط من العام 2003، تحطم مكوك {كولومبيا} فوق ولاية تكساس مخلفاً ضباباً كثيفاً ومحدثاً صوتاً قوياً جداً، في حادثة أودت بحياة سبعة رواد فضاء وأسهمت في تسريع تقاعد المكوكات الفضائية الأميركية.

وانقطع الاتصال مع مكوك {كولومبيا} أثناء رد قائده على نداء قال مطلقه حينها {كولومبيا، هنا هيوستن (...) لم تصلنا الرسالة الأخيرة منكم}، وما إن رد قائد المكوك بـ{تلقينا الرسالة} حتى انقطع الاتصال.

كانت الساعة 8,59 صباحاً على الساحل الشرقي للولايات المتحدة عندما اقترب مكوك "كولومبيا" الفضائي الأميركي من الأرض بسرعة تزيد على 21 ألف كيلومتر في الساعة. وبعد بضع دقائق، تحطّم مخلّفاً وميضاً برتقالياً كان مرئياً على بعد الـ61 كيلومتراً التي كانت تفصل المكوك عن سطح الأرض.

وتناثرت بقايا "كولومبيا" في سماء الولايات المتحدة بين تكساس ولويزيانا.

وأظهر شريط فيديو عُثر عليه لاحقاً مع الحطام، رواد الفضاء وهم ينظرون عبر نوافذ المكوك قبل نحو عشر دقائق من وقوع الحادثة.

وقال أحدهم "اللون برتقالي ساطع، أصفر، حول الجهة الأمامية للمكوك". ثم يدخل "كولومبيا" الغلاف الجوي، مُحاطاً بكرة من البلازما ذات حرارة عالية جداً.


خمسة رجال وامرأتان

وأصبحت المشاهد غير واضحة ثم سوداء قبل أربع دقائق من اكتشاف مركز التحكم بالمهمة الفضائية في هيوستن (تكساس) مشكلات أولى في أجهزة المكوك.

وأشار التقرير النهائي لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إلى أنّ رواد الفضاء حظوا بالوقت الكافي ليدركوا وجود مشكلة ما، إذ حاول قائد المكوك استعادة السيطرة "قبل أنْ يفقد عناصر الطاقم الوعي" بسبب انخفاض ضغط المقصورة.

وكان في المكوك سبعة رواد فضاء: خمسة رجال وامرأتان بينهم ستة أميركيين، ويُعدُّ هؤلاء حتى اليوم آخر الضحايا الذين قضوا بحادثة مرتبطة بالفضاء، بعد سبعة عشر عاماً على تحطم مكوك "تشالنجر" الأميركي عام 1986.


انتقاد لاذع لناسا

وأُطلق "كولومبيا" في منتصف كانون الثاني من كيب كانافيرال، في مهمة علمية فضائية كانت الثامنة والعشرين للمكوك.

وبعد 81,7 ثانية على إقلاعه، انفصلت قطعة من الدرع الحرارية الواقية بحجم حقيبة سفر عن خزان الوقود المركزي، واصطدمت بحافة الجناح الأيسر، مما أدى إلى تصدّع الدرع الحراري.

وكان متخصصون تقنيون طالبوا مرات عدة بإجراء فحص بصري للمكوك قبل عودته إلى الأرض، إلا أنّ طلبهم لم يلق آذاناً صاغية.

وبعد ستة عشر يوماً، أتاحت الثغرة التي تشكّلت دخول غازات شديدة السخونة (أكثر من 1000 درجة) ناتجة عن احتكاك المكوك بالطبقات العليا من الغلاف الجوي. وبدأ الجزء المكوّن من الألومنيوم في الجناح الأيسر يذوب ويتحطّم.

وبعد سبعة أشهر على الكارثة، كتب المحققون الثلاثة عشر في مجلس التحقيق في حادثة كولومبيا (CAIB)، "نحن مقتنعون بأنّ الممارسات الإدارية الخاصة ببرنامج مكوك "كولومبيا" الفضائي تشكل سبباً للحادث بقدر ما تمثله مشكلة العزل التي طالت الجناح الأيسر". وسلّط تقريرهم الذي تألّف من 250 صفحة الضوء على "الأسباب التنظيمية المتجذرة في تاريخ الوكالة وثقافتها" تحديداً. وندّد معدو التقرير بـ"الموارد المحدودة، والأولويات المتقلبة، والضغوط الخاصة بعمليات الإقلاع، وغير ذلك من الأمور"، موجهين انتقاداً لوكالة ناسا لعدم احترامها إجراءات السلامة وميلها إلى الاتّكال على نجاحاتها السابقة.


العودة مع "سبايس اكس"

وتمثل المكوكات الأميركية نظام نقل فضائي مميزاً. وتتكوّن من طائرة فضائية يمكنها أنْ تحمل طاقماً وأقماراً اصطناعية، بالإضافة إلى معززين يعملان بالوقود الصلب وخزان خارجي، وهي قابلة لإعادة الاستخدام.

وأُرسلت خمسة مكوكات فضائية أميركية إلى الفضاء هي كولومبيا وتشالنجر وديسكوفري وأتلانتس وإنديفور.

وبعد حادثة تحطم كولومبيا عام 2003، اتّخذت الإدارة الأميركية التي كانت برئاسة جورج دبليو بوش آنذاك، قراراً بإيقاف المكوكات الثلاث التي كانت لا تزال تُستخدم في مهمات، عن العمل عام 2011 بمجرد إنجاز محطة الفضاء الدولية.

وكانت الولايات المتحدة تعتمد حتى العام 2020 واستئناف المهمات مع شركة "سبايس إكس" الخاصة، على روسيا لنقل رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.