لبنان والبحث عن الترياق الرئاسي

قضايا عربية ودولية 2023/02/04
...

علي حسن الفواز

يبدو أنَّ البحث عن رئيس للجمهوريَّة في لبنان يشبه البحث عن ترياق لجسد معلول، وعن واقعيَّة سياسية لمواجهة تاريخٍ طويل من "العبث" السياسي والاقتصادي، والتي تستدعي أن يكون "الرئيس" بمواصفات "الرجل السوبر" الذي يمكنه التعاطي الناجز مع تحديات كبرى، ومع ملفات شائكة، ومع صراعات أهلية قابلة للتفجّر وزيادة منسوب العبث. 

تجاوز تاريخ الاستحقاق الرئاسي "التوافقي" بات مشكلة معقدة، وخياراً من الصعب التوافق عليه، لاسيما بين فرقاء متعددي الولاءات، والرهانات، وهو ما يستدعي البحث عن آلية حقيقية للحوار، والوفاق، بعيداً عن فرض إرادة القوة، والتجاوز على حسابات هذا الطرف أو ذاك. 

اللقاءات التي أجراها وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تدخل في باب المبادرة، لكنها تعجز عن تأمين رضا الأطراف الأخرى، التي ترى في الاستحقاق الرئاسي فرصة لتغيير معادلة "الحكم" في لبنان، وقطع الطريق على مرشحين تقليديين لمنصب الرئاسة، وتعطيل إجراءات البحث عن "الرجل السوبر" الذي قد لا يأتي بسهولة، ولا حتى يمكنه حيازة الآليات الفاعلة للتعامل مع خفايا واقعٍ غارق بالأزمات، والملفات "المسكوت عنها". 

لقاءات جنبلاط لم تحظ برضا نبيه بري رئيس مجلس النواب، لأنها تتقاطع مع رؤيته للخيار الرئاسي، وللاتفاقات التي يراهن عليها ضمن الكتلة السياسية التي تضم حزب الله، فضلاً عن تقاطعها مع موقف التيار العوني، وتيار المردة، وبعض القوى المسيحية والإسلامية، والأخطر من ذلك هو الصمت الذي قوبلت به، من أكبر القوى المسيحية، والتي تضم حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، وحزب الكتائب، وبعض القوى الصغيرة. 

هذا التقاطع والصمت يدفع الجميع إلى حرج كبير، وإلى إعادة صياغة المشاورات والحوارات، وعلى نحوٍ يجعلها تبدو في الظاهر، وكأنها تبحث عن حلٍ لبناني للأزمة، لكنها في الباطن تُخفي البحث عن حلٍ إقليمي ودولي لهذه الأزمة، التي تتطلب الحصول على توافقات تسمح بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، والقبول بالحلول الوسطى، ومواجهة الأزمات العميقة في الواقع اللبناني، والتي أُضيف لها ملف استثمار الغاز، وهو موضوع ذو بعد إقليمي وليس لبنانياً فقط، فضلاً عن التعاطي مع الملف الخاص بـ"تفجير مرفأ بيروت" الذي تم تسييسه وإخضاعه إلى حسابات معقدة، وإلى توظيفه لأغراض ذات بعد سياسي وتسقيطي.