د. علاء هادي الحطاب
تفتخر الأمم وشعوبها بما تقدمه للإنسانية من مفكرين وعلماء بنتاجات تخدم العالم، ويخلد التأريخ هؤلاء العلماء والمفكرين ونحن في العراق نفتخر بتقديمنا لنخبة كبيرة من الشخصيات الفكرية والعلمية والأدبية التي أثرت الحضارة العربية والإسلامية وحتى العالمية.
وكان لوجود مواقع التواصل الاجتماعي فسحة مهمة لنقل تلك النتاجات التي تخدم الإنسانية، إذ أصبح العالم حقا قرية صغيرة تنتقل فيها المعلومة والفكرة وحتى الأطروحة بشكل سريع وبسيط، لكن هذا لا يمنع “ واقعا “ من استخدام تلك المواقع في جوانب ترفيهية ومواد مسلية، ففي كل الدول يتم استخدام تلك المواقع بحسب مستخدميها، بين من ينشر الفكر والمعرفة، ومن ينشر الترفيه والتسلية.
في العراق انتشرت في السنوات الأخيرة حالة تحولت إلى أقرب للظاهرة وهي نشر محتوى هابط جدا، بل موغل بالهبوط من قبل شخصيات أقل ما يُقال عنها إنها امتهنت بث التفاهة إلى العالم، بل أصبحت تلك المنصات وسيلة لصنع شخصيات مشهورة بنقل كل ما هو تافه وسلبي وصولا إلى مرحلة العراك والتنابز وحتى السمسرة بالأجساد، والمشكلة لا تكمن هنا فقط، بل في كثرة متابعي ومشاهدي هذه المنشورات والفيديوات الهابطة، وإلا ماذا تعني مشاهدة فيديو لشخص يمرغ نفسه بالطين التي بلغت ملايين المشاهدات؟ ما المحتوى الذي يقدمه من يمرغ نفسه بالطين، أو يظهر وهو يتلعثم بكلام غير مفهوم يقلده بذلك الأطفال والمراهقون حتى أصبحت عبارات “ عليه يابا عليه “ وسعلوسة” (ترند) يتناولها هؤلاء الصبية وحتى الشباب؟.
زاد الأمر عن حدهِّ ووصلنا إلى مرحلة تصدير مدروس لكل محتوى هابط ووصل الأمر إلى التنافس الشديد بين “الهابطين” وأصبحوا بذلك مشهورين تستخدمهم الشركات في دعاياتها نيابة عن الممثلين ومشاهير الفن، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تموج بما يقدمون حتى غطت محتوياتهم على أي فكرة أو أطروحة أو مادة ترفيهية ومسلية تحمل فكرة.
الانتشار أصبح لأي محتوى لا يحمل فكرة، فقط “الترند” للتفاهة، وهذا ما لا نجده في كل بلدان العالم المتحضرة التي تضع تقييدا لمثل هذه المحتويات.
حسنا فعلت مبادرة تصحيح التي عمل عليها مجموعة من الشباب الواعي المثقف بطريقة تطوعية، وحسنا فعلت وزارة الداخلية باستجابتها لتلك الحملة، وحسنا فعل القضاء العراقي باستجابته لها، كمرحلة أولى لضبط المحتوى الذي يتم تسويقه للمتلقي. نعم، ربما يجد بعضنا أن هذا “التقييد” يخالف حرية التعبير، لكن علينا جميعا أن نعرف أن حقوقنا تقف عند حق التربية الصالحة لجيلنا وأطفالنا جميعا، فمثل هذه المحتويات الهابطة التي يعدها أصحابها ومناصروها حقوقا لآرائهم، تدخل بيوتنا من دون استئذان عبر هواتف أجيالنا وتلوث أفكارهم وسلوكهم من حيث لا يشعرون ونشعر، وهنا يأتي دور النخبة ومن ورائها الدولة لإيقاف هذا التدهور في الذائقة والسلوك الفردي الذي يتبعها.
وهنا نشد على أيدي القائمين على هذه الحملة من الشباب وأجهزة الدولة والقضاء ونشجعهم على الاستمرار بذلك، على الأقل لإيقاف التدهور الكبير الحاصل في المحتويات الهابطة التي تُقدم للجمهور .