خطورة الكتب الالكترونية المسموعة

ثقافة 2019/04/09
...

عفاف مطر
لأن أكبر مصائب عالمنا العربي هي القراءة، ظنَّ الكثير أن الكتب الالكترونية المسموعة قد تكون الحل الأمثل، لا سيّما أن سماع الكتب بدلاً من قراءتها يستغرق زمناً أقل؛ على سبيل المثال بدلاً من قراءة كتاب واحد كل شهر، وهو المعدل المقبول لمن يريد توسيع دائرة ثقافته، سيتمكن من انهاء هذا الكتاب بجلسة واحدة ممتدة لخمس ساعات - حسب عدد الصفحات – أو تقسيم هذه الخمس ساعات الى جلستين او ثلاث جلسات، وبالتالي يمكن انهاء كتابين اسبوعياً، وهو أمرٌ بلا شك رائع وأشبه بالحلم في مجتمعٍ آخر ما يهمه القراءة والتزود 
بالمعرفة. 
كما أن الاستماع الى الكتب بدلاً من قراءتها، يمكن أن يتم أثناء العمل اليومي الروتيني الذي لا يحتاج الى تركيز كبير، كقيادة السيارة التي صارت تستغرق وقتاً طويلاً بسبب الازدحامات أو الحواجز، أو اثناء الطبخ وتنظيف المنزل، أو حتى اثناء تناول الطعام وقبل النوم. لكن؛ هل الهدف، هو القراءة كفعل مجرد؟ أم أن القراءة عمل ذهني أكبر من ذلك بكثير؟ وهل كل النتاجات المكتوبة يمكن أن تصل رسالتها عبر ذبذبات صوتية؟ 
اختلفت الآراء بين المثقفين والقراء حول الكتب المسموعة، وسأذكر بايجاز بعض الفوائد المهمة لهذا النوع من القراءة، فهي مفيدة لفاقدي حاسة البصر، وتكون مفيدة كذلك لملء الفراغ، ومفيدة لمن لا يجد فعلاً وصدقاً وقتاً كافياً للقراءة، لكن مما لا شكَّ فيه، أنها لا تغني ابداً عن قراءة الكتب الورقية، ذلك أني أرى أن الهدف من قراءة الكتب ليس انهاء الكتاب
، بل الكتاب وسيلة لفتح أبواب لم تكن تخطر على بال القارئ، الورقة تسمح للقارئ بالتوقف والتفكير، واحداث عصف ذهني مهم، كما تمكنه من إعادة قراءة مقاطع معينة استوقفته لسبب أو لآخر، ناهيك عن ضرورة ومتعة تسجيل الملاحظات على الهوامش، وصعوبة العودة الى مقطع أو صفحة بعينها في الكتب المسموعة. فقراءة كتاب في شهر بتدبر وادراك لا يمكن  ان تعطيه الكتب المسموعة، وفخ هذه الكتب –أعني المسموعة- وقع فيه الكثيرون للأسف، وربما ستحل محل الكتب الورقية لاسيّما لدى القراء المبتدئين الذين ابتدؤوا تجربتهم الثقافية بها، لذا أرى أن الاستماع الى الكتب عبر قنوات اليوتيوب أو البودكاست من الممكن أن تقتصر على الكتب التعليمية للأطفال، ليألفوا شكل الكلمات مع النطق الصحيح، أو للتسلية وملء الفراغ بشيء مفيد. وعلى الرغم من أني بحثت كثيراً عن الآراء التي كتبت في هذا الموضوع، إلا أني لم أجد من انتبه الى خطورة الكتب المسموعة والاعتياد والاعتماد عليها مصدراً للمعرفة، لأن التعود عليها قد يعيدنا الى عصر التلقين وهو ما لا نحتاجه أبداً، فالكتاب المسموع يحل محل شيوخ القرى والأرياف في بدايات التعليم، حيث يقرأ الشيخ ويعيد تلامذته 
وراءه. 
أما  التعلم أو حتى الاستفادة من سماع كتاب فكري أو رواية أثناء القيادة أو الطبخ..الخ لن يجدي نفعاً كما هو مرجو، لأنه كما ذكرتُ سابقاً لا تتيح هذه القراءة التوقف والتفكُّر؛ واستشهد برأي أستاذ علم النفس بجامعة فيرجينيا، دانيال ويلينغهام في دراسة حول الموضوع ونقل عنه قوله: “إذا كنت تحاول التعلم أثناء القيام بشيئين، فإنك لن تتعلم، حتى لو كانت أنشطة روتينية، مثل القيادة أو الطبخ، فهي تستهلك ما يكفي من تركيزك لعرقلة التعلم” لكني أرى أنه من الممكن أن تكون لها فائدة تعليميّة في حالة المراجعة، بمعنى يمكن للمتعلم أن يستمع الى أي كتاب ولكن بعد قراءة نسخته الورقية أولاً، والأمر سيّان بالنسبة للروايات والكتب الفكرية، إذ لا بد أن يكون الكتاب المسموع قد تمت قراءته والتفكير بمحتواه وتكوين رأي خاص بالقارئ، قد يتفق أو قد لا يتفق مع الكاتب في اجزائه أو كله، ومن ثم الاستماع اليه في حال الرغبة في التذكر أو الاستمتاع به مرة اخرى. لا يمكن معاملة الكتب معاملة الاغاني التي نستمع اليها أثناء قيامنا بانشطتنا الروتينية، لأن الغرض والهدف من الكتب يختلف تماماً عن الغرض والهدف من الاغاني والموسيقى، فالموسيقى بشكل عام تستهدف الروح، أما الكتب تستهدف العقل، ولكلٍ طريقه الخاص. واستشهد بذلك على تجربة أتمنى لو أنها أخذت مكانها في عالمنا العربي، وهي تجربة انشاء نوادٍ للقراءة، إذ نرى أن كل أعضاء النادي يقرؤون كتاباً واحداً في وقت واحد، ثم يجتمعون، وتلقى مسؤولية قراءة الكتاب بصوت عالٍ ذاته على عضو منهم، ومن ثم تبدأ مناقشة القارئ بفكرة الكتاب، وأهدافه، بل ومناقشة حياة وظروف وأهمية مؤلفه. 
القراءة عالم آخر، عالم خاص تجتمع فيه المتعة بالفائدة، وقراءة كتاب ورقي واحد شهرياً تدون  الملاحظات والاسئلة على هوامشه لهى أفضل من الاستماع الى أربعة كتب أو أكثر عبر اليوتيوب أو
 البودكاست.