يمكن للكوارث أن تتجاوز الحروب، وأن تضع المحاربين أمام واقع صعب، قد يجعل من تلك الحروب وكأنها ألعاب سخيفة، لأنَّ ما تُحدثه الكوارث من أضرار، وما تُسببه من أزمات ومحن، وما توقعه من ضحايا، يُثير أسئلة عن مراجعة أسباب كوارث تلك الحروب، وعن مدى الحاجة إلى إيقاف خرابها، وتعزيز خيارات التواصل الإنساني، وحتى السياسي، لإبعاد الشعوب عن المكاره التي كثيراً ما تجلبها حروب السياسة، وسياسة الحروب.
مطالبة وزيرة الخارجية الألمانية نالينا بيربوك بفتح كلِّ المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا يؤكد هذا المعطى، على مستوى تقويض جغرافية الحرب، أو على مستوى تأمين نقل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تضرّرت جرّاء الزلزال المُدمّر الذي تعرضت له تركيا وسوريا.
هذا الموقف يرسم حدوداً للواجب الأخلاقي، وليس السياسي، وعلى نحوٍ يجعل إيصال فرق الإنقاذ والإسناد، والمساعدات الطبية والغذائية أمراً بالغ الأهمية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومساعدة السلطات المحلية على تحجيم الأضرار التي تعرضت لها المناطق المنكوبة، فقولها إنَّ «الواجب المطلق الآن هو وصول المساعدات الإنسانية إلى الأماكن التي تحتاج إليها، والكف عن وضع عقبات إضافية نظراً لأنَّ كل دقيقة تمر لها أهميتها» يجسّد حجم الحرج الذي تقع فيه الدول التي تنادي كثيراً بحقوق الإنسان وقيم الحريات والديمقراطية.
معطيات هذا الموقف وغيره، يمكنها تحريك ماهو ساكن، عبر الدعوة إلى إجراءات تُفعّل كسر إيقاع الأخذ والردِّ ما بين سياسيي الحروب والأزمات، وتحدّ من أدوار مشعلي الحرائق، فضلاً عن تأثيرها في سياسات الكبار، وفي طبيعة الستراتيجيات التي ترسم تلك السياسات، والتي تقايض أهدافها باستمرار تلك الحروب، وما تتركه من مناطق قابلة للاشتعال، وصالحة للعنف والتطرف، والتي تكون نتائجها بمستوى تلك الكوارث.