الذخائر المحمديَّة

الصفحة الاخيرة 2023/02/18
...

جواد علي كسار

تضعني أي مناسبة ذات صلة برسول الله صلى الله عليه وآله، بما في ذلك مبعثه الشريف هذه الأيام؛ تضعني أمام حالة من الحيرة والتردّد؛ فماذا أكتب؟

لقد شهد مسار الكتابة عن السيرة النبوية تطوّرات عديدة، بدءاً من مولد النبي فمبعثه فهجرته ومغازيه، وبعوثه وحياته في المدينة، وما يتصل بذلك من شؤون؛ حتى استقرّ عند المدوّنات الموسوعية الأولى مع ابن إسحاق وابن هشام وشروحاتها، فضلاً عمّا جاء مدمجاً بكبرى حوليات التأريخ عند اليعقوبي والطبري والمسعودي، وتراجم الأصحاب كما فعل ابن سعد وابن عبد البرّ، وغيرهم كثير من كتّاب الدلائل والشمائل.

كان المنهج أساساً سردياً، وإذا برز فيه الجانب النقدي، فقد كان يدور حول نقد الرواة وتمحيص الأسانيد، وكان ذلك قليلاً ما يحصل في الكتابة التأريخية، مقابل كثافته في مجال الفقه والأحكام الشرعية، ما يعني أن الجانب التحليلي كان ضعيفاً في مجمل هذا التراث.

مع كتاب: «حياة محمد» لمحمد حسين هيكل مطالع الثلث الثاني من القرن المنصرم، يمكن القول إن موجة من الدراسات التحليلية ـ النقدية، كانت قد انطلقت في دنيا المسلمين، وأضافت للمكتبة النبوية لوناً من الدراسات الجديدة القائمة على أساس المنهج النقدي، للموروث السردي. لكنّ المنهج التحليلي ـ النقدي لم يتفرّد الميدان وحده، بل ضمّ إلى جواره المنهج الحركي، الذي رآى في النبي داعية كبيراً، وأظهره كقدوة أولى للحركيين والمجاهدين.

أرى أن المناهج في دراسة السيرة متكاملة يعضد بعضها الآخر، ويؤدّي كلّ واحد منها نفعاً في بناء وعي المسلم بحياة نبيّه ورسالته. بيدَ أن ذلك كله لم يمنعني من الانحياز إلى منهج، يضمّه في كتابات الأسبقين، عنوان: «الشمائل» وأبرزها دون ريب كتاب: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض، وقبله بقرنين كتاب: «الشمائل النبوية» للترمذي، إذ أرى نفسي أكثر قرباً لهذا النسق من السيرة النبوية، التي تجمع بالإضافة إلى جانبها المعرفي وبُعدها الأخلاقي والمعنوي؛ ما أسمّيه بالبُعد الحُبّي في الارتباط مع النبي.

كنتُ أحسب أن هذا اللون من الكتابة عن النبي صلى الله عليه وآله، قد انقطع في المؤلفات المعاصرة، لولا إطلاعي قبل سنوات على كتاب: «الذخائر المحمدية» لأحد علماء مكة المكرّمة السيد محمد بن علوي الحسني؛ فمع أن هذا الكتاب يقوم على أساس السرد، إلا أنه يقدّم وجبة معرفية ثمينة للارتباط بالنبي، وهو يسترشد المنهج الحبّي ويستحضره بالتفصيل.