علي حسن الفواز
هذه الثلاثيَّة تمثل واحدةً من أخطر أزمات العالم، وتعكس خطورة الصراع الناجم عنها، والمفتوح على حروب صغيرة وكبيرة، فالبحث عن الغاز يعني البحث عن الهيمنة، وعن فرض سلطة السوق، وربما التغوّل في البحث عن العسكرة، وهي مجالات لإنعاش الصراعات الإيديولوجية والسياسية. حديث التفجيرات التي تتعرّض لها خطوط أنابيب نورد ستريم لنقل الغاز يكشف عن الطابع الصراعي بين روسيا والغرب، وهو صراع ساخن وذو مخالب اقتصادية وعسكرية ومخابراتية، إذ لم تعد "الحرب الباردة" صالحة للتداول، فالروس لم يعودوا عالقين بثياب الشيخ ماركس، والغربيون لم يعودوا واثقين من أطروحات آدم سميث، فالجميع يُعيد النظر بتداول آخر لـ"الحرب الساخنة" وهي مفهوم صلب بدأ يدخل في السوق والميدان ومركز البحث وجهاز المخابرات ونظام المعلومات، وغايته القصوى هي فرض الهيمنة، وفرض الغلبة على الآخرين.
اتهام أجهزة المخابرات الغربية والأميركية بالمسؤولية عن هذه التفجيرات، تأكيدٌ على طبيعة التغيّرات الحادثة في أساليب إدارة الصراع، وفي توظيف الأجهزة السرية بمتابعة الأزمات، وفي نزع الصلاحيات القديمة من المؤسسات التقليدية، بما فيها مؤسسات الإيديولوجيا، والقوى الناعمة، فما عادت تفاصيل هذا الصراع مخفية، ومُضمرة على طريقة أصحاب "النقد الثقافي" وهذا ما يجعل حرب المكشوف، أكثر أنواع الحروب توحشاً، وقسوة، واندفاعاً للإفراط في العسكرة السياسية والاقتصادية والثقافية، وعلى مستويات متعددة، منها ما يتعلّق بالتوسّع في جغرافيا الهيمنة، ومنها ما يتعلّق بصناعة العدو، ومنها ما يتعلّق بالحرب السبرانية، ومنها ما يتعلّق بحرب السرديات، وهي حرب "معاصرة" تتعالق فيها عُقد التاريخ مع تخيّلات الغزو والتفجير والتخريب السبراني.
البحث عن "طريق حرير" آخر للغاز بين الغرب والعالم، يعني تحويل الصراع باتجاه آخر، وتحويل طرق روسيا إلى ممرات أشباح وغير آمنة، وبالتالي تحويل الغاز الروسي إلى لعنة، وإلى مادة محظورة التداول في أسواق تبحث عن هوية، وفي جغرافيا تعاني رهاب البرد التاريخي.