أ.د عامر حسن فياض
لا يمكن تجاهل حقيقة تفيد بأن حاضرنا يعاني من فيروسات مجتمعية ضارة تتلخص عناوينها بـــــ:
- انخفاض منسوب الوطنية وتسييد عسكرة المجتمع.
- غلبة بدعة الديمقراطية وحقوق الإنسان على حساب الاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية.
- عقم التوجهات الانتاجية لحساب خصوبة النزعات الاستهلاكية.
- تصلب التعدديات الجهوية التقليدية مقابل هشاشة التعدديات السياسية المدنية.
وكل هذه العناوين الفيروسية الضارة في حكم وسياسة الحاضر لها تاريخ استنبتت فيه جذورها وبداياتها وكان يوم 8 شباط 1963 من بين أبرز أيام استنبات وتجذير وزرع هذه الفيروسات.
وانطلاقاً من مقولة "من يزرع الريح يحصد العواصف" علينا استذكار واستحضار حدث كان قد شكل بداية خلق ومحطة تعميق وتصلب سيئات، فما أهمية استذكار واستحضار حدث 8 شباط 1963؟
إن أول ما يجب الانتباه إليه كنهج في التعامل مع الأحداث وتفسيرها هو النهج الزمكاني، أي تفسير الحدث في حدوده الزمانية والمكانية، لأن هذا النهج يجنبنا الانزلاق في اللاموضوعية والانحياز.
إن 8 شباط 1963 حدث حصل في بيئة عناوينها الرئيسة تشير إلى المستوى العالمي إلى حرب باردة بين المعسكرين الشرقي الاشتراكي والغربي الرأسمالي، وتشير إلى المستوى الإقليمي إلى مد قومي جارف، وتشير إلى المستوى الوطني العراقي لتحولات مجتمعية مضطربة وغير مستقرة.
لسنا بحاجة هنا إلى الحديث عن مساوئ ماضٍ، فالمعلومات عن هذه المساوئ متاحة بل نريد أن نستحضرها بغية مغادرتها وتجنب تكرارها.
إن يوم 8 شباط عام 1963 هو يوم استنبات فيروس الفاشية في حكم العراق، وبهذا الفهم نتجنب تقليب المواجع ونستبعد أساليب الانتقام لننشغل بأولوية معالجة مشكلات حاضر وصناعة مستقبل أفضل من الماضي والحاضر معاً.
بمعنى أوضح أن استذكار حدث 8 شباط 1963 مفيدٌ لتخطي نواقص حاضر وتلافي تكرارها في المستقبل.
إن هذا اليوم هو بداية سيئات وسلبيات وتخلف أي بداية تراجع حسنات وإيجابيات وتقدم.
فهو بداية تعثر بناء الدولة الوطنية المستقلة بذريعة بناء الدولة القومية تحت شعارات (الوحدة والحرية والاشتراكية) لأمة قوم في وطن يحتضن أقواماً متعددة، ومن هنا يؤشر يوم 8 شباط 1963 إلى علامة البدء بتراجع منسوب الوطنية فكراً وممارسة.
وصولاً إلى تراجع هذه الوطنية في حاضرنا إلى مستوى القاع.
وإستكمالاً لتوصيف 8 شباط 1963 فإننا نرى فيه يوم بداية لضمور الاهتمام بالمسألة الاجتماعية في ستراتيجيات السياسات الحكومية لصالح الكسب والربح، الذي أخذت تفضله الأنظمة اللاحقة ذات التوجهات المبرقعة بالاشتراكية والمبطنة برأسمالية الدولة، وصولاً إلى نظام حكم حاضر يراد له أن يكون تابعاً للرأسمالية العالمية المتوحشة.
إن حكم 8 شباط 1963 هو حكم سلطة انقلاب لحقتها سلطات إنقلابية كنهج للتغيير. وهو حكم عسكرة مجتمع (الحرس القومي)، ثم تعاقبت العسكرة (الجيش الشعبي وتنظيمات الطلائع وفدائيي صدام)، وصولاً إلى تنظيمات مسلحة خارج إطار الدولة. كما أن حكم 8 شباط 1963 هو حكم تسييد الواحدية الحزبية على حساب التعددية السياسية والأخيرة أصبحت منسية، وصولاً إلى حاضر التعددية ذات المضمون المكوناتي الاجتماعي التقليدي المغلف بالشكلية التعددية السياسية الحديثة. إن حكم 8 شباط 1963 هو بداية لارتفاع منسوب سياسات التجهيل لحقيقة التنوع ولمنسوب التفكير الواحدي المانع للنقد ولمنسوب النستولوجيا القائمة على بعث وإعادة الحياة للأمجاد القومية الجهوية الضيقة.
أخيراً إن استذكار هذا الحدث سيكون غير مجدٍ بتقليب المواجع، وسيكون مجدياً عندما نتخطى تداعياته ولا نكرر سيئاته لأن شر البلاء يكمن في حاضر ظل يعيش مساوئ الماضي!.