سيف ضياء
لا مناص من القول إن قياس قوة الدولة، يعتمد على مستوى استقرارها المؤسساتي ومدى انسجامها السياسي والاجتماعي الداخلي وليس فقط قدرتها المادية وحسب، وانطلاقاً من هذا الأمر فان مدرسة كوبنهاغن تفسر الأمن المجتمعي بالإجابة على التساؤل حول:
بمن وما الذي يجب تأمينه؟، حيث يرى بوزان أن الأمن المجتمعي يختص بالجماعات، وبالتالي فإنه يستند إلى دراسة وضعية الجماعات، التي يحتويها المجتمع، سواء أكانت (اندماجية أو انفصالية)، حيث إن (واييفر) وهو أحد علماء مدرسة كوبنهاغن يعرف الأمن المجتمعي على أنه "قدرة مجتمع ما على الثبات على سماته الأساسية في مواجهة الظروف المتغيرة والتهديدات المحتملة أو الحقيقية"، لأنَّ الأمن المجتمعي ببساطة يرتبط بـ"النماذج التقليدية للغة، الثقافة بالإضافة إلى الهوية والشعائر الدينية والوطنية وغيرها، ولذلك فإن تحديد مؤشر تهديد الأمن المجتمعي من عدمه، مرتبط بمدى إدراك جماعة ما.
وان هويتها مهددة حينما تبدأ بالتصرف للحفاظ على أمنها"، وهكذا فإن الأمن المجتمعي هو مرادف للبقاء الهوياتي، وبمعنى آخر هو قدرة المجتمع على الاستمرار في الظروف المتغيرة والتهديدات المحتملة أو الفعلية، وحماية كيان الدولة من الانقسامات الاثنية والطائفية وغيرها بفعل ازمة الهوية.
كما أن غياب الأمن المجتمعي يؤدي إلى ما يسميه بوزان "المأزق الأمني المجتمعي"، والذي يرتبط بدوره بقدرة المجموعة على الاستمرار مع المحافظة على خصوصياتها دون أن يمس مكونات هويتها كاللغة والثقافة والدين، حيث لا يمكن للمجموعة الإشارة إلى نفسها بالضمير (نحن) كما هو الحال مع الكرد في تركيا، والطوارق في جمهورية مالي، والتوستي في راوندا، حيث إن التفاعل داخل مجتمع المجموعات الاثنية يؤدي إلى اعادة صيغة مفهوم الهوية بشكل يفضل الطابع الأمني على العلاقات مع الآخر، حيث تصبح "الصراعات الطائفية والاثنية والعرقية والقبلية بين مختلف اطياف المجتمع أساساً للحروب الأهلية، وتبدأ اطراف الصراع بتداول خطاب الخطر وزيادة مستويات الاستقطاب، ما يفتح المجال أمام تفجر العنف والفوضى، وهو ما يعني غياب المأسسة".
وبالتالي ستكون دوافع هذا السلوك النزاعي والتصعيد الاثني للجماعات والتنظيمات داخل المجتمع عديدة، وتتراوح بين مجموعة من الأسباب الثقافية والقيمية، كما تتضح في أغلب الاحيان نتيجة لفشل وتفكك القيم المركزية للدولة، خاصة مع ظهور ما يسمى بالدول العاجزة أو الدول التي تفشل بالإدارة.
ومثال على ذلك "سورية، ليبيا"، فعندما تخفق الدولة في ان تكون بمثابة اطار القرابة والانتماء الاثني الواسع والتحكم في التفاعل بين مختلف المجموعات الاثنية والتي تشاركها الاقليم نفسه تحس المجموعات بالأمان، وهو ما يؤدي إلى تصاعد حدة المعضلة الأمنية المجتمعية، حيث تعبر عن وجودها بالخط الذي يفصلها عن الجماعات الأخرى، وهذا ما يشير إليه صموئيل هنتتغتون في كتابه " من نحن؟
التحديات للهوية القومية الأمريكية " بأن تعدد الثقافات الناتجة عن الهجرة وتمسك كل ثقافة بعاداتها وتقاليدها قد يودي إلى تقسيم المجتمع كل ثقافة تنازع الأخرى، وان سلوك النزاع يزيد كلما زاد انتماؤها إلى الجماعة الفرعية المتمثلة بـ(العرقية، الاثنية، القومية.. الخ)، ما يؤدي إلى تمدد الوضع إلى اللعبة الصفرية أي السعي إلى إزالة الطرف الآخر تماماً من الوجود عبر التصفية الاثنية، ومثال على ذلك ما حدث في دول مثل (راوندا، الصومال، ليبيريا).