ثلاثة اعتبارات مهمة لزيارة عبد المهدي لإيران

العراق 2019/04/10
...

ترجمة : انيس الصفار 
زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي طهران خلال الفترة من 6 الى 7 نيسان وكانت هذه اول زيارة رسمية يقوم بها الى البلد الجار منذ توليه المنصب في شهر تشرين الاول 2018. قدم عبد المهدي الى طهران بدعوة رسمية من الرئيس الايراني حسن روحاني يصاحبه وفد كبير من المسؤولين العراقيين رفيعي المستوى وممثلون عن القطاع الخاص. عدا الالتقاء بروحاني التقى الزعيم العراقي ايضاً المرشد الاعلى آية الله علي الخامنئي وحضر اجتماعاً مشتركاً بين قطاعي الأعمال الايراني والعراقي في غرفة التجارة الايرانية. وقد جاءت هذه الزيارة بعد اقل من شهر على زيارة روحاني نفسه للعراق، التي كانت اول زيارة يقوم بها الرئيس الايراني منذ توليه منصبه في 2013. في تلك الزيارة توصل الجانبان الى عدد من الاتفاقيات المهمة انصب معظمها على الجوانب الاقتصادية

هذا الايقاع المتصاعد للقاءات عالية المستوى بين المسؤولين الإيرانيين والعراقيين، وكذلك جدول عبد المهدي المشحون خلال فترة تواجده في طهران، يشي بوجود حوارات جديدة تتعلق بالروابط المتنامية بين الجارين. عند تأمل أجندة عبد المهدي في إيران، الى جانب الظروف الاقليمية والدولية التي احاطت بالزيارة، يمكن القول في الحقيقة ان الزيارة كانت مهمة لثلاثة اعتبارات رئيسة.
الاعتبار الاول والاهم هو وقوع الزيارة وسط ضغط متصاعد من جانب الولايات المتحدة لتحجيم النفوذ الايراني في العراق، الأمر الذي يعطي الزيارة اعتباراً رمزياً. فرغم موافقة الادارة الاميركية في 20 آذار على تمديد الاستثناء الممنوح للعراق من تطبيق العقوبات لمدة 90 يوماً لتمكينه من استيراد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران، واصلت الادارة ضغطها على بغداد لجعلها تقطع اعتمادها على طهران في مجال الطاقة.
رغم هذا صرح  رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في 30 آذار أن بلده بحاجة الى ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل ان يحقق "الاستقلال الاقتصادي"، والى ذلك الحين يبقى العراق بحاجة الى استيراد الطاقة. اكثر من ذلك ان عبد المهدي نفسه سبق له التأكيد بأن بلده "غير ملزم" بإطاعة العقوبات الاميركية على إيران. كانت احدى الفقرات الرئيسة التي بحثت خلال زيارة روحاني لبغداد وزيارة عبد المهدي لطهران هي مسألة تجاوز العقوبات من خلال العلاقات الاقتصادية الثنائية. 
عدا الجانب المتعلق بالعقوبات حاولت واشنطن ثني المسؤولين العراقيين عن توسيع العلاقات مع الجمهورية الاسلامية من خلال محاولتها تصوير الدور الايراني في العراق بأنه سلبي ومدمر. فبعد زيارة روحاني للعراق في آذار ادعى المبعوث الاميركي الخاص للشؤون الايرانية "برايان هوك" ان إيران تريد تحويل العراق الى محافظة إيرانية. وقبل سفر عبد المهدي الى طهران قال هوك ان إيران مسؤولة عن مقتل اكثر من 600 جندي أميركي في العراق.
في مثل هذه الاجواء فسرت وسائل الاعلام الايرانية زيارة عبد المهدي، واعرابه عن الرغبة في تقوية الصلات بالجمهورية الاسلامية، بأنها دلائل على عدم مبالاة بغداد بالمواقف الاميركية. مثلا قالت وكالة انباء الجمهورية الاسلامية، التابعة للدولة في إيران: إن زيارة عبد المهدي الى ايران قد بعثت برسالة خاصة الى الولايات المتحدة. كما عبر النائب الاول للرئيس الايراني اسحاق جهانغيري عن وجهة نظر مماثلة. وعند لقائه عبد المهدي في 7 نيسان قال جهانغيري: "الرسالة التي لا لبس فيها هي أن طهران وبغداد قد قررتا توسيع العلاقات بينهما بشكل كبير رغم كل عدوانية أميركا." 
لم يكن البعد الدبلوماسي لزيارة عبد المهدي أقل اهمية عما ذكرناه. فقبل يومين من السفر استقبل عبد المهدي وفداً سعودياً عالي المستوى يرأسه وزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي. لم تكن مهمة المسؤول السعودي مقتصرة على اعادة افتتاح القنصلية السعودية في بغداد بعد اغلاق دام ثلاثة عقود، بل شملت تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين ومن جملة ذلك منح العراق مليار دولار على شكل قروض. تلك الزيارة، التي كانت اشارة واضحة على رغبة الرياض في اعادة العلاقات مع بغداد، فسرت بأن الهدف منها هو تحجيم التأثير الايراني في العراق.
بيد أن السحر السعودي لم يخفق فقط في التأثير في مساعي عبد المهدي لتوثيق العلاقات مع الجمهورية الاسلامية بل حفزه ايضاً على لعب دور الوسيط بين الدولتين المتنافستين. فما أن وصل الزعيم العراقي الى طهران حتى ظهرت تقارير اعلامية تفيد بأن هناك خطة لوساطة عراقية سوف تقدم الى طهران. وفقاً لتلك التقارير فإن الخطة المذكورة كانت قيد الدراسة منذ زيارة عبد المهدي الى مصر في شهر آذار وسوف يطرحها للتدارس مع المسؤولين السعوديين خلال زيارته الى الرياض في الشهر المقبل.
رغم أن أيا من الجانبين لم يؤكد تلك التقارير فإن تطرق روحاني الى الشؤون الاقليمية خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع عبد المهدي قد يكون اشارة منه الى ان الجانبين تناولا هذا الشأن خلال لقائهما. قال روحاني: "لقد كانت اوضاع المنطقة من بين المواضيع التي ناقشها الجانبان." ثم اضاف: "نحن لدينا وجهات نظر مشتركة بخصوص شؤون عديدة تتعلق بالمنطقة." بناء على هذا يبدو ان بغداد تريد استغلال علاقاتها الحسنة حالياً مع طهران والرياض معاً لتقريب هذين الطرفين من المصالحة.
الاعتبار الثالث والاهم لزيارة عبد المهدي لطهران هو الاعتبار الاقتصادي، فالشؤون الاقتصادية هي التي هيمنت على تلك الزيارة، وقد اعلن كلا الجانبين عن الرغبة في رفع مستوى التعامل التجاري الثنائي السنوي بينهما الى 20 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ووفقاً لوزير الصناعة والمعادن والتجارة الايراني رضا رحماني فإن الجانبين يعملان معاً على صياغة اتفاقية للتجارة الحرة في ما بينهما. وعلى صعيد منفصل اعلن وزير النفط الايراني بيجان زنكنة ان الدولتين سوف تبدآن العمل معاً على تطوير حقلين نفطيين. كذلك أفادت تقارير اعلامية بأن عبد النصير همّتي، مدير البنك المركزي الايراني، سوف يسافر قريباً الى بغداد للاشراف شخصياً على وضع ما تضمنته الاتفاقيات المالية بين الطرفين موضع التنفيذ.
في ظل الوضع الراهن، إذ تؤكد الولايات المتحدة عزمها على المضي في سياسة فرض "الضغوط القصوى" على الجمهورية الاسلامية من خلال العقوبات الاقتصادية فإن نهج العراق، المتمثل بعدم الاذعان للضغط وبالتالي مواصلة تعاملاته الاقتصادية مع إيران، يحمل معاني لها اهميتها بالنسبة لطهران. في غضون ذلك، وإذ تعيد كلا إيران والسعودية رسم معالم علاقاتهما مع العراق، مع اعطاء وزن اكبر للجانب الاقتصادي، سيكون من الممكن ان تكتسب الخصومة الايرانية السعودية خصائص جيواقتصادية تحل شيئاً فشيئاً محل الخصائص الجيوسياسية التقليدية. هذا بدوره سوف يقلل مخاطر التصعيد بين الجانبين، وفي الوقت نفسه يسهّل على بغداد الاستمرار في سياستها الخارجية المتوازنة بين جارتيها القويتين.                   
 
حميد رضا عزيزي/عن موقع المونيتور
 

.