عدنان جواد الطعمة رحل بعيدًا عن العراق وهو شغله الشاغل
صالح جواد الطعمة
{لم ينسَ الدكتور عدنان جواد الطعمة (كربلاء 1 /7 /1941 – ماربورغ 16 /2 /2023) وهو يغادر وطنه مرغما للمنفى أن يجمع أغلى ما عنده وأحب كي يلوذ بما يتجمع لديه حين تحاصره وحشة المنافي ولياليها الغريبة. وهكذا شأن من فارقو العراق قسرًا فأصروا على أن لا يفارقهم عراقهم. بعضهم لملم دموعه والآخر حفنة تراب وبعضهم اقتطع سعفة أو غصنًا من شجرة بيته أو دفترًا من أيام مدرسته. أما عدنان الطعمة فقرّر أن يحمل معه قصائد شعبيّة عراقيّة ليبني منها وطنًا في منفاه يلوذ به حين يشتد به الحنين}. من تعريف بكتابه {أنت قلبي لو قلبهم} منشور تحت عنوان المكتبة الشعبيّة في المستقبل 18 - 4 - 2003.
*
"أقول إنّني لم ألتقِ بهذه الشخصية النبيلة إلّا مرة واحدة فقط حيث التقينا في بغداد عام 1975 ..! كتابات الدكتور (عدنان الطعمة) تفوح منها روائح التسامح والقيم النبيلة وحب الوطن ونبذ التطرّف ومقاومة الإرهاب واحترام الآخر والقبول به..."، منذر الفضل من مقالة "تعقيب على مقال للأستاذ الدكتور عدنان الطعمة" الحوار المتمدن 17 /10 /2004.
(1)
ليس هدفي من نشر هذه السطور عن أخي عدنان جواد الطعمة - رحمه الله - أن ألم بنتاجه الذي تمَّ نشره وهو في المغترب منذ 1978 حتى تاريخ رحيله، إذ إنّه من الغزارة والتنوّع ما يتطلب مشاركة أكثر من فرد مهتم بحقول كتاباته: المخطوطات العربيّة – الشعر الشعبي العراقي والأغاني العراقيّة – الترجمة، فضلا عن التصوير ومنجزاته العلميّة باللغة الألمانيّة.
لقد ظهر له ما لا يقل عن عشرين كتابًا (أو ثلاثين حسب قوله في مقالة اطلعت عليها بعد رحيله)، ونشر أكثر من مئتي مقالة متنوعة الموضوعات معظمها ذات طابع عام تستهدف عامة القراء، كما خلّف عددًا يصعب تحديده من الصور التي التقطها لاستخدامها في بحوثه ورحلاته ولأغراض أخرى.
لا هدف لي سوى إعطاء صورة غير مفصلة عن محنته وتجاربه في مغتربه الألماني. أعرف عنه سنين من الذكريات وقرأت له معجباً او منبهراً عدداً جمَّاً من مقالاته ولكني لا أدّعي معرفة حياته بالتفصيل، وقد عشنا أكثر من أربعين عاماً في مغتربين متباعدين: بلومنغتن إنديانا/ الولايات المتحدة وماربورغ (ألمانيا). أي كان نصيبنا الحرمان من التواصل الحي الشخصي إلّا مرات معدودة إن لم تخني ذاكرتي المسنّة. أما وسائل الاتصال او التواصل الاجتماعي فلم تستطع -على تقدمها وسهولة توافرها- أن تكون بديلاً عن المجاورة الطبيعيّة وان وهبتنا فرصاً من القربى
الافتراضيّة.
(2)
لقد غادر عدنان العراق في 1978 كارهًا مكرهًا (والفضل يرجع في ذلك لحكمة النظام الحاكم آنذاك) مؤثرًا الاغتراب ومعاناته على الانتماء القسري إلى حزب البعث أو أي حزب كما ورد في مواضع عدة من كتاباته المنشورة، وشاء أن يختار اللجوء إلى ألمانيا بسبب تجاربه السابقة في ألمانيا الشرقية كباحث (1963 - 1965) وطالب في مرحلة الدكتوراه (1972 - 1976) معتقدًا أو ظانًا أن لديه ما ييسّر عليه الاستقرار ويذلّل العقبات في مغتربه: شهادة الدكتوراه في علم اللغة الألمانية التي نالها عام 1976 من جامعة مارتن لوثر في ألمانيا الشرقيّة.
لم يكن عدنان يعلم أو يخطر بباله أو يتوقع أن شهادته لا تضمن له الارتباط الدائم بجامعة أو كلية في ألمانيا على أساس تخصصه، فوجد نفسه مضطرًا إلى أن ينشد العمل في مجالات متنوعة في ألمانيا أو بعض الأقطار العربية مستعينًا بمؤهلاته اللغوية (العربية والألمانية) وخلفيته العلميّة (كخريج الفرع العلمي في مرحلته الثانوية ومحضر كيماوي في كلية التربية/ جامعة بغداد أكثر من عشر سنوات (1958 - 1963/ 1966 - 1971).
لقد كان كل همه ألا يعيش كلاجئ معتمدًا على هبات الضمان الاجتماعي. كان مبتغاه ألا ينقطع عن مواصلة مساعيه العلمية بعيداً عن الانتماءات الحزبية وعن السياسة قدر المستطاع فارتضى أن يزاول كل ما تيسّر له من المهن في لفترات غير مستمرة كمساعد في تدريس العربية كلغة ثانية، وتدريس الألمانية كلغة أجنبية لبعض الطلبة العرب في دورات خاصة ومترجم محلّف في إحدى الشركات، وباحث في معهد الفارماكولوجي (علم الأدوية) بجامعة ماربورغ، وباحث مؤقت في المركز الطبي للعلاج بالإشعاع الذري وبأشعة رونتجن، وغيرها من فرص العمل كمترجم محلّف مستقل ومؤسس مكتب للترجمة والوساطة التجاريّة بين ألمانيا والدول التجارية أسماه – متفائلًا – مكتب النور. ويبدو أنّ مكتبه ظلَّ مدرجًا حتى اليوم في دليل أصحاب الأعمال في ماربورغ كما قرأت بعد رحيله.
غير أنَّ متاعب حياته المهنيّة والعقبات التي واجهها لم تثنهِ عن مواصلة مساعيه في البحث والانتاج والنشر في ميادين متعددة محبّبة إلى نفسه وفي مقدمتها: *التراث الشعبي العراقي - * الترجمة من العربية إلى الألمانية أو بالعكس - *المخطوطات كما تدل عناوين أعماله غير المتوفرة في
العراق.
(3)
من أعماله المختارة
1. في التراث الشعبي العراقي
أنت قلبي لو قلبهم (إنت گلبي لو گلبهم)، الشعر الشعبي العراقي 1995، ماربورغ، 202 صفحة.
أغاني النخيل (قصائد مختارة من الشعر الشعبي العراقي)، ترجمة إلى الألمانية. ماربورغ 1996، 111 صفحة.
نبض الوجدان – أغاني عراقية لأشهر المطربين والمطربات، يحتوي على مقدمة وملاحظات عن اللهجة العراقية، وعلى فهرس لمفردات الأغاني الشعبية العراقية، ماربورغ 1997، 218 صفحة.
لهيب الأشواق، مختارات من أغاني فرقة الإنشاد العراقية والمجموعة العراقية وفرقة چالغي بغداد، مع النوطات الموسيقية – 2001، 88 صفحة.
تمثل هذه الكتب عددًا كبيرًا من الشعراء والمغنين وتدل على جهد كبير، وما تميز به من جلد في ضبط النصوص بالتشكيل التام او حسب قوله "ضبطها بالحركات كالضمة والفتحة والكسرة والسكون والتنوين والشدة إلى آخرها من أجل أن يقرأها القارئ العربي الكريم كما يسمعها".
٢. الترجمة من العربية إلى الألمانية أو بالعكس.
الشعر العربي الحديث (دراسة أنثولوجية عن الشعراء إيليا أبو ماضي، حليم دموس، نزار قباني. سميح القاسم، محمود درويش، وفدوى طوقان، وسعاد الصباح، وترجمة المختارات الشعرية إلى الألمانية)، ماربورغ 1994.
سعاد الصباح: لآلئ الخليج، ترجمة ونشر: ماربورغ، 1995.
خالد الفيصل: قصائد حب (بالعربية والألمانية)، ترجمة: ماربورغ 1997.
بديعة كشغري: إيقاعات امرأة شرقية (بالعربية والألمانية)، ترجمة. الرافد – لندن، نشر: دار البيان – ماربورغ – ألمانيا.
ماكس رايش في الكويت 1952: ترجمة، الكويت: مركز البحوث والدراسات الكويتية 2011.
3. أعمال غير منشورة
سبعة فهارس:
فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في مكتبة الجمعية الاستشراقية الألمانية بمدينة هالة ساله - جمهورية ألمانيا الديمقراطية، بغداد وزارة الإعلام/ النجف 1977. وأربعة فهارس أخرى من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، في الكويت فضلا عن فهرس المخطوطات العربية في الرياضيات "1" مخطوطات برلين، ماربورغ 1982 وآلات الرصد الفلكيّة العربيّة والإسلاميّة في متاحف لندن وغرينيتش، طباعة: الرافد – لندن، ألمانيا 1998.
(4)
لا أبالغ إن قلت بأنّ أهمَّ أو أقرب حقل إلى نفسه: المخطوطات وفهارسها، وقد بدأ اهتمامه بها منذ أوائل الستينيات وواصله طوال حياته في المغترب، لا يزور مدينة إلا ويبحث في مكتبتها أو متحفها عن المخطوطات وفهارسها – ويحاول الالمام بها في دراسة أو تقرير. ومن أمثلة ذلك ما شهدت شخصيًا عندما زارني في الثمانينيات (جامعة انديانا)، واكتشف ما في مكتبة للي Lilly Library المشهورة عالميًا بمحتوياتها. إذ أصر على أن يقضي أيامه معنا مقيمًا في المكتبة خلال أوقات الدوام من دون أي انقطاع كعادته كلما زار مكتبة، وكانت حصيلته فهرساً لم ينشر بالرغم من تعدد محاولاته.
أما بداية اهتماماته وتشعبها ودوافعها فلا أرى وسيلة أفضل من الاستشهاد بمقتطفات من أقواله الشخصية اعتقاداً بأنها تلقي الضوء على اسهامه في هذا الحقل ومدى التزامه به ودوافعه في خدمة التراث العربي الإسلامي مع العلم
بأني بحثت وما أزال أبحث عن شهادات غيره من المختصين في العراق او غيره من الأقطار
العربية:
* "اتسعت وتشعبت اهتماماتي رويدًا رويداً. وفي زيارتي الأولى لألمانيا التي وصلتها 24 ديسمبر 1963 ومكثت فيها لمدة سنتين أبهرتني المخطوطات العربية والقطع الفنية الإسلامية وكذلك المسكوكات الإسلامية والاسطرلابات وآلات الرصد الإسلامية المختلفة التي اطلعت عليها في متاحف ومكتبات ألمانيا، وعدت مزودًا ومجهزًا بمصادر المعرفة والعلوم المختلفة وفهارس المخطوطات وكتب المستشرقين الألمان الذين نشروا دراساتهم عن العلوم عند العرب والمسلمين أمثال العالم المستشرق الألماني ايلهارد فيدمان والعالم الألماني الكيمياوي يوليوس روسكا وغيرهما".
* "وكنت دائمًا منشغلًا بوضع خطة شاملة لتصوير المخطوطات العربية في الرياضيات والحساب والجبر والهندسة في مكتبات باريس ولندن وألمانيا. وقد شجعني المرحوم الأستاذ الدكتور ياسين خليل على هذا المشروع العظيم الذي ابتدأت به على نفقتي الخاصة من دون مساعدة أو دعم مادي من أية مؤسسة عراقية أو عربية لأني اعتبرت تراث الأجداد هو تراثي يستحق كل الجهود والعطاء والبذل والتضحية وفقًا لجهودي المتواضعة وإمكانيتي المحدودة ولوجه الله. "رحلاتي العلميَّة إلى متاحف ومكتبات لندن ومرصد غرينيتش الهنية"
دنيا الوطن 8 - 6 - 2015
* "ولله الحمد التقطت طيلة رحلتنا إلى برلين وبوتسدام وجزيرة الطواويس وبرج تلفزيون برلين لأغلب القطع الفنية المعروضة في عدة متاحف من برلين وبوتسدام بلغ عددها 8523 صورة بثلاث كامرات ولمدة ستة أيام. وهذه الرحلة اعتبرها من الناحية الفنية والتاريخية والعلمية لتوثيق أهم آثار العراق الحبيب والفن الإسلامي وغرفة حلب من أهم الرحلات التي أتعبتني وسعدت بها جدًا".
زيارة بوابة عشتار ومسلة حمورابي في متحف برجامون ببرلين 13 – 21 تموز 2013 المسافرون العرب https://forum.arabtravelers.com/threads
ملاحظة أخيرة:
أعلم جيدًا كشاهد على صلة به خلال مدة طويلة كم كان يقاسي في انتظار معجزة الدعم أو التعاون من أجل نشر كتبه مما اضطره إلى الاعتماد على قيامه شخصيًا بالنشر في ماربورغ غير أنه مات من دون أن يعرف حتى مصيرها وصداها في
العراق.
مات أخي عدنان وهو يعلم – كما أعلم – أن دار الكتب والوثائق الوطنية في بغداد لا تضم سوى الكتاب الذي صدر له وهو في العراق عام 1977، بينما يدرج الفهرس العربي الموحد في الرياض أعماله ضمن (40) أربعين تسجيلة ويشير الفهرس العالمي إلى توافر كتبه في (363) مكتبة. لا شك لديَّ في أنه مات مرتاح الضمير لأنه كان يسعى حقاً الى خدمة العراق وخدمة التراث العربي الإسلامي وفقاً لاجتهاده وحسب ما اختار من نهج في نشر كتاباته.
بلومنغتن - انديانا