اكتشاف نواة جديدة في عمق مركز الأرض

علوم وتكنلوجيا 2023/03/02
...

  ترجمة  وإعداد:  أنيس الصفار


علمنا منذ الصغر أنَّ للأرض أربع طبقات لا غير: القشرة والجبة (أو العباءة) واللب الخارجي السائل ثم اللب الداخلي الصلب. والآن كشف العلماء عن وجود طبقة جديدة في عمق اللب الداخلي الصلب، وهذه قد تساعد في تفسير كيفيَّة تطور الحقل المغناطيسي للكرة الأرضيَّة.


في دراسة نشرت مؤخراً وثّق عالما زلازل من الجامعة الأستراليَّة الوطنيَّة أدلَّة جديدة تؤكد وجود كرة معدنيَّة صلبة يبلغ  سمكها 640 كيلومتراً تقريباً تستقر في مركز اللب الداخلي للأرض. تتكون الطبقة الجديدة، مثل سائر طبقات اللب الأخرى، من سبيكة قوامها الحديد والنيكل، بيد أنَّ لها بنية  بلوريَّة مختلفة تتسبب بحدوث موجات صدمة زلزاليَّة تبقى ذبذباتها تتردد عبر هذه الطبقة بسرعات مختلفة عما يحدث في باقي أنحاء اللب المحيط بها.


فهم الحقل المغناطيسي الأرضي

يقول "ثان سون فام"، وهو الباحث الأول في الدراسة: "من الواضح أنَّ في عمق اللب الداخلي شيئاً كامناً مختلفاً عن الطبقة المحيطة به، ونحن نعتقد أنَّ طريقة تراص الذرات  في هاتين المنطقتين  متباينة نوعاً ما عن بعضهما البعض".

يدرس الباحثون منطقة اللب الداخلي بهدف التوصل الى فهمٍ أفضل للحقل المغناطيسي الأرضي الذي يحمينا من الإشعاعات الضارة الآتية من الفضاء ويجعل استمرار الحياة ممكناً على سطح كوكبنا. 

خلص العلماء الجيوفيزيائيون الى أنَّ النواة الداخليَّة ربما تكون قد تشكلت قبل أقل من مليار سنة، وهذا يجعلها حديثة نسبياً بالمقاييس الزمنية الجيولوجيَّة،  ويوضح مؤلفو الدراسة أنَّ هذا اللب الداخلي ينمو متسعاً باتجاه الخارج من خلال تصليب مواد اللب الخارجي السائلة وهي عملية تطلق حرارة  وتتسبب بتيارات حمل، وهذه التيارات هي التي تولد الحقل المغناطيسي الأرضي.

قبل عشرين عاماً استعان الباحثون ببيانات الرصد الزلزالي ومنها استدلوا على وجود طبقة خامسة. منذ ذلك الحين، كما يقول فام، أخذت الأدلة على وجود نواة في صميم اللب الأعمق للأرض تتعزز بتراكم المزيد من البيانات. بيد أنَّ الدراسة الجديدة تمضي الى أبعد من ذلك من خلال تحليل بيانات زلزاليَّة غير مسبوقة.

يقول فام إنَّ الفتح الذي حققته هذه الدراسة يتمثل في اكتشاف طريقة جديدة لتفحص النواة في عمق اللب الداخلي، ويضيف أنَّ الفريق يمتلك الآن مزيداً من الأدلة التي تثبت وجود النواة بالفعل في أعماق هذا اللب.

يقر فام بأنَّ التفاوت البنيوي الذي يميز هذه النواة العميقة عما حولها متدرجٌ ناعمٌ  وليس حدياً قاطعاً. 

فعند الانتقال مثلاً من منطقة الجبة الى منطقة اللب الخارجي نجد أننا قد خرجنا من محيط معظمه صلب لندخل محيطاً  آخر سائلاً، كما سنرى اختلافاً في التركيبات الكيمياويَّة. 

ولكنْ عند الانتقال من منطقة اللب الداخلي الى النواة العميقة في صميم هذا اللب سنجد أنَّ الانتقال يقتصر على التحول الى البنية البلورية من دون تغيرٍ في التكوين الكيمياوي، الذي يبقى سبيكة من الحديد والنيكل.


نواة في عمق منطقة اللب

يقول "جون تاردونو"،  وهو أستاذ في الفيزياء الجيولوجية من جامعة روشستر وليس من المشاركين في البحث الأخير، إنَّ فكرة وجود نواة في عمق منطقة اللب كانت مطروحة منذ زمن ولكن البيانات الجديدة تعززها جذرياً وتؤكد اختلاف البنية الهيكليَّة لهذه النواة عن اللب الداخلي الذي يغلفها.

يمضي تاردونو مبيناً أنَّ مجرد وجود هذه النواة الداخلية يجعلنا نتساءل كيف تكونت، ويقول مؤلفو الدراسة إنَّ تكونها يشهد على وقوع حدث أرضي كبير في وقتٍ ما من الماضي  وأنَّ ذلك حفز على وقوع تغييرات في عمق اللب الداخلي للأرض.

لتاردونو أبحاث سابقة تتناول تكون اللب الداخلي وهي تشير الى أنَّ تكون نواة  في عمق طبقة اللب الداخلي يمكن ربطه بنشاطات الصفائح التكتونية قبل مئات ملايين السنين وهو يعتقد أنَّ التحليلات الجديدة مثيرة للاهتمام لأنها تعزز تصوراته تلك التي نشرها في العام الماضي. 


فهم الكواكب الأخرى

يتفق تاردونو وفام معاً على أنَّ معرفة أصول طبقات اللب الداخلي يمكن أنْ تساعد في مزيدٍ من الفهم لكيفيَّة تكون الحقل المغناطيسي الأرضي، وبالتالي كيف يمكن للحياة أنْ تستمر على الأرض أو غيرها من الكواكب.

يقول تاردونو إنَّ تكون اللب الداخلي كانت له أهمية جوهريَّة في خلق كوكب صالح للعيش فيه؛ لأنَّ له لباً داخلياً يستمد طاقته المحركة من الحقل المغناطيسي ليغذي بها الدرع المغناطيسي الواقي. 

لولا ذلك، كما يضيف تاردونو، لفقدت الأرض ماءها بالتدريج.

معرفة المزيد عن اللب الداخلي للأرض يمكن أنْ يساعد بدوره في معرفة المزيد عما إذا كانت هناك كواكب أخرى صالحة للعيش.


عن صحيفة "واشنطن بوست"