حسين رشيد
كلما جاءت حكومة استبشر الشعب خيرا، أن تكون الحكومة الجديدة عونا للفقراء والمعدمين، وان تضع ستراتيجية حقيقية لتخفيض نسبة الفقر، ودعم الخدمات العامة وبوجه الخصوص الصحية والتعليمية، فمن غير المعقول أن يعجز نظام سياسي بات له في الحكم 20 عاما عن اتمام بناء مستشفى حكومي واحد، أو على الأقل تأهيل ما موجود ليقدم خدمات محترمة تليق بمواطن بلده يُعد من الدول الغنية بالثروات الطبيعية. لكن في ظل هذا النظام تمَّ بناء وتشيد عشرات المشافي الخاصة، التي تعود لشخصيات سياسية ودينية والتي تقدم خدماتها مقابل إجور عالية يعجز الفقراء عن دفعها، كما نجحوا في الاستيلاء على العديد من المرافق العامة، وبوجه الخصوص الحدائق العامة والمتنزهات، وتم تحويلها إلى مولات ومراكز تجارية بات الكثير منها بوابات لغسيل الاموال وضخ المواد الاستهلاكية.
ومن غير المعقول أيضا أن يعجز النظام الحاكم بكل قواه السياسية عن بناء المدارس وزيادة أعدادها وتطوير وتحديث الجامعات الحكومية العريقة، وأن يعيد مكانتها العلمية بين التصنيف العالمي للتربية والتعليم، وينتشلها من التردي والفساد، لكن في ظل هذا النظام السياسي الحاكم تمَّ بناء وتشيد آلاف المدارس الأهلية بمختلف المراحل الدارسية، وعشرات الجامعات الأهلية والتي تعود أيضا لشخصيات وأحزاب سياسية ودينية، أغلبها يبحث عن الأرباح دون الإهتمام بما يقدم من مستوى علمي، فضلا عن تسابقها في منح الشهادات العليا في شتى التخصصات، والتي يبحث الحاصلون عليها عن مكاسب وإمتيازات ومناصب وظيفية، دون الإكتراث لأهمية الموضوع قيد الدراسة في الاطروحة أو الرسالة وما يقدمه للبحث العلمي والمجتمع مستقبلا.
تقوم الدول على أساس احترام وتطوير مؤسساتها الوطنية وتحديثها عمرانيا، فنيا، إداريا، علميا، لأجل الاستمرار بتقديم خدماتها للمواطنين، وفق اختصاص كل مؤسسة وبوجه الخصوص ما يتعلق بقطاعي التربية والتعليم والصحة، كونهما عماد بناء المجتمع وتقدمه ورخاءه، لكن في العراق الأمر مختلف فقد دخل ما يسمى الاستثمار إلى هذين القطاعين المهمين، ولا ضير من دخوله لأجل التطوير وتقديم الخدمات بموازاة القطاع العام، لكن الذي حصل عكس ذلك فثمة محاولات لإغراق ما تبقى من مؤسسات هذا القطاع الصحي، وتحويلها إلى نافذة الاستثمار، عبر ما يسمى شركات الادارة، التي حتما تبحث عن الارباح قبل أن تسهم في تطوير وتقديم الخدمات، وفي بلد مثل العراق تحكمه القوى السياسية ونفوذها في الحكومة، حتما ستذهب إدارة المستشفيات إلى شركات الأحزاب.
لا تحتاج الحكومة للكثير من الجهد لتطوير مؤسسات الدولة الوطنية، بالتوازي مع منح رخص الاستثمار، الذي يجب أن يُحكم بقوانين صارمة، تضع له هامش الربح مقابل خدمات رصينة، والمهم أن يكون الاستثمار في قطاعات إنتاجية صناعية زراعية تمنح بعض الامتيازات للأفراد والشركات المستثمرة مع توفير الحماية القانونية والمالية، لما تدخله من أموال دون أن تمنح قروض حكومية ميسرة، فالغاية من الاستثمار هي إدخال أموال وخبرات إلى البلاد وليس شيئا آخر، كما يحدث الآن في البلاد، الغاية من الاستثمار بناء البلاد تحت إشراف مؤسسات الدولة الرقابية، وتطوير البنى التحتية بالإستفادة من خبرات الشركات الأجنبية المستثمرة، مع ضرورة زج الشركات الوطنية العامة والخاصة مع هذه الشركات الأجنبية ذات الخبرة والمكانة المرقومة، وبذلك نحافظ على الاستثمار من الاستغلال.