هشام داوود
تحاول الصين منذ فترة طويلة الحصول على دعم دولي لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق، وعلى الرغم من أن دولاً عديدة وافقت على ذلك، إلا أن الصين غير متأكدة أن تكون النيبال من بين تلك الدول. قدمت الصين هذه المبادرة كاستراتيجية أعمال لربط مختلف البلدان من خلال الطرق السريعة والسكك الحديدية، لكن لم يكن سهلاً على دولة مثل النيبال دعم مثل هذه الخطط بسبب معارضة الولايات المتحدة للصين ومعارضة الصين لمشاريع الولايات المتحدة.
ويبقى السؤال هل هذه الخطط مفيدة حقا لدولة نامية كالنيبال والمعروفة بوضعها الاقتصادي المتعثر وتنضم لمبادرة الحزام والطريق؟
هذا الموضوع صنع نوعاً من الاعتقاد بأن المبادرة هي فخ ديون صينية.
هناك أيضا قلق بالنسبة للنيبال متمثلاً بالجانب الأميركي حيث سيكون غاضباً وغير راض، خصوصاً أن أميركا ماضية في تنفيذ برنامج مساعدات المنح إلى النيبال، الأمر الذي يقلق ويزعج الصين.
ومن الأمثلة على انزعاجها كان في افتتاح مطار بوخارا الدولي، حيث صرح القائم بالأعمال الصينية أن المطار يخضع لخطة مبادرة الحزام والطريق وتم بناء هذا المطار بواسطة القروض الصينية.
حيث حصلت النيبال على قرض ميسر بقيمة 22 مليار روبية نيبالية (حوالي 166 مليون دولار) لمدة أربعين عاما من بنك التصدير والاستيراد الصيني وبسعر فائدة
2.75 ٪ سنويا.
كان العمل بمطار بوخارا الدولي قد بدأ بالفعل عام 2012 قبل دخول النيبال إلى مبادرة الحزام والطريق، وتمَّ التوصل إلى اتفاق بين الحكومتين لبناء المطار، وفي آيار 2014 حصلت شركة (CAMC Engineering) الصينية على عقد البناء في وقت كانت فيه مبادرة الحزام والطريق الصينية في مرحلة الولادة، وكان اسمها (حزام واحد، طريق واحد).
وبعد توقيع الاتفاقية الإطارية بشأن الحزام والطريق عام 2017 اختارت النيبال 35 مشروعاً لكي يتم تنفيذها في إطار مشروع الربط الصيني، لكن وبطلب من بكين تم تقليص العدد الإجمالي للمشاريع إلى تسعة، زائداً مطار بوخارا، ومن الواضح هنا أن الصين تحاول قسراً ضم النيبال لمبادرة الحزام والطريق.
بغض النظر عن مطار بوخارا وضعت الصين يدها على أكثر من مشروع في النيبال، مثل بناء مجمع داماك صناعي وسكة حديد كيرونغ- كاتماندو، لكن العمل لم يبدأ بعد في المجمع، وحتى إذا نفذت الخطة فإن الشركات الصينية سوف تهيمن على النيبال لسنوات.
سياسة الصين تتمثل دائما في الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي للبلدان وتوفير فرص العمل للسكان وإحداث ثورة في القطاع الصناعي، لكن الجوهر الوحيد لهذه اللعبة هو إغاظة الهند منافسها التقليدي، من خلال جعل النفوذ الصيني أقرب إلى الحدود الهندية.
مرت ثماني سنوات منذ الاستحواذ على أرض لبناء الحديقة المسماة حديقة الصداقة الصناعية بين الصين والنيبال، ومر عامان على وضع حجر الأساس والعمل لم يتقدم بعد.
واحتج السكان المحليون بخصوص الاستحواذ على الأرض، وعلى التعويضات المنخفضة بدل الأراضي التي قدموها للمنطقة الصناعية وقالوا إن المشروع أصبح ضحية للفساد ونزاعات التعويض وعدم المسؤولية من الجانب الصيني.
وخط سكة حديد كاتماندو - كيرونغ محدودا أيضا في المناقشة وتم إجراء دراسة الجدوى المسبقة للسكك الحديدية في تشرين 2018 وتم الاتفاق لإجراء دراسة الجدوى، خلال زيارة الرئيس الصيني إلى النيبال في الفترة من 12 إلى 13 تشرين الاول 2019 ثم تم التوصل إلى مذكرة تفاهم في سياق زيارة وزير الخارجية الصيني إلى النيبال في آذار 2022 لتسريع دراسة الجدوى.
وستكون سكة الحديد هذه جزءاً من خط سكة حديد بطول 550 كيلومترا، يربط مدينة شيجاتسي التبتية بكيرونج بالقرب من الحدود النيبالية الصينية، على الرغم من أن طول قسم كيرونج-كاتماندو يبلغ 75 كيلومترا فقط، إلا أنه سيكلف أكثر من ٣ مليارات دولار بسبب التضاريس الجيوفيزيائية الصعبة والتعقيدات الأخرى.
في الوقت الحاضر أخذت الشركات الصينية واحدة تلو الأخرى كل المشاريع الرئيسية في النيبال وتوسعت هناك، وبدأ احتكار الشركات الصينية يتزايد في مشاريع مثل الطرق والمطارات والطاقة الكهرومائية والمناطق الصناعية، لكن المشكلة ان هذه المشاريع عندما تبدأ بقروض من بلدان أخرى ولا يتم فتح المصارف الأجنبية المانحة للقروض في الوقت المحدد، تكون لها آثار بعيدة المدى على اقتصاد البلد بشكل عام.
من ناحية أخرى تحاول الصين ضم النيبال بالقوة لمبادرتها، وذلك سيكون له تأثير على المجال الدبلوماسي النيبالي، خاصة وأن دولاً عملاقة اقتصادياً مثل الولايات المتحدة والهند عارضت مبادرة الحزام والطريق، فحتماً أن تكون هناك مقاطعة للنيبال.
لذلك نختم بالقول إن كل الدول النامية عليها أن تعرف حجمها وقدرتها قبل الدخول في نزاعات مع الدول الكبيرة.