أحمد عبد الحسين
ليس بمستغربٍ أنّ الإعلان عن عودة العلاقات السعودية الإيرانية لقي ترحيباً دولياً مطبقاً "باستثناء إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها السابق بأنَّ هذا التطوّر يعدّ فشلاً ذريعاً لحكومته".
كل خطوة فيها تراجع عن منطقة الاحتراب والدخول في المجال الطبيعي للفعل السياسيّ هي خطوة صائبة وتخدم شعوب هذه المنطقة المبتلاة بشتى الأحقاد التي إذا لم نجدها على الأرض أخرجناها من الكتب القديمة وتصرفنا بمقتضاها.
هذا الإعلان خبر سارّ للعالم، لكنه وبشكل أشدّ تأكيداً خبر يسرّ العراق أكثر من سواه، ليس لأنه كان الوسيط الأبرز في المباحثات التي أفضت إلى هذا الإعلان وحسب، بل لأنه المستفيد الأكبر من الهدوء الذي ستأتي به علاقات طبيعية بين البلدين. لأنّ الصخب والعنف اللذين خلقتهما الحرب الباردة بين جارتيه لطالما عطّلا فرصاً كثيرة للتنمية، وزادا من فرص الاحتراب المجتمعيّ بعون من أناس يعلون انتماءهم المذهبيّ على انتمائهم الوطنيّ.
الهدوء الذي تعد به عودة العلاقات بين إيران والسعودية هو ما يحتاجه العراق تحديداً في ظل حكومة جديدة تولي اهتمامها الأكبر للتنمية الاقتصادية وإطفاء النيران الصغيرة والكبيرة التي كان يبرع بإشعالها سياسيون وإعلاميون يستثمرون في إشعال الحرائق.
بقي أن يعمد العراق إلى حصد نتائج هذا التقارب بما يعود عليه بالنفع، وبما يضمن له مكاسبه باعتباره الوسيط الإقليمي الذي لا غنى عنه حتى بعد عودة المياه إلى مجاريها. لأن مكانة العراق تماثل تماماً مكانه الجغرافيّ الذي يتوسط الطرفين، ويمكن له أن يكون صلة تلاقٍ وتفاهم بينهما بعد أن كان ردحاً طويلاً من الزمن ساحة لصراعٍ لا منتصر فيه ولا مهزوم.
ستكسب السعودية اطمئناناً بعد خوف من أصابع غريمتها إيران في مناطق نفوذها واستمراراً في النأي عن إملاءات أميركا باتجاهها شرقاً إلى إيران والصين، وستكسب إيران تطميناً لداخلها الذي يشهد احتجاجات كل آن وإبداء حسن نوايا للعالم، لكنّ العراق الرابح الأكبر فهو سيكسب الهدوء الذي لم تقيّض لنا مقاديرنا أن ننعم به بسبب صخب الجيران الذين قرروا أخيراً أن يكونوا هادئين.