مجلس الوزراء يصوِّت على أكبر موازنة في تاريخ البلاد
بغداد: هدى العزاوي وشيماء رشيد
في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العراق، صوَّت مجلس الوزراء، أمس الاثنين، على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحاديَّة لـ(3 سنوات) مالية هي 2023 و2024 و2025، وأحال المجلس في جلسته الاعتيادية التي عقدها برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مشروع الموازنة إلى مجلس النواب، ويبلغ إجمالي النفقات في مشروع الموازنة أكثر من 197 تريليون دينار وهي الأكبر في تاريخ البلاد.
وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في مؤتمر صحفي أمس الاثنين: إن "أولويات البرنامج الحكومي ستكون حاضرة في موازنة 2023"، لافتاً إلى أن "الموازنة لثلاث سنوات تدعم الاستقرار المالي".
وأضاف أنَّ "الوزارات تدخل في كل بداية ونهاية سنة بمرحلة سبات لحين إقرار الموازنة الجديدة"، مبيناً، "نحن أمام ثبات لموازنة لمدة ثلاث سنوات"، وأشار إلى أنه "تم تأمين الاستحقاقات لجميع العقود والمحاضرين والشهادات العليا في الموازنة"، مضيفاً "وضعنا في الموازنة إجراءات عملية بينها زيادة مساحة الشمول في شبكة الحماية".
وأكد أنه "مع إقرار الموازنة سيتم صرف الإعانة الاجتماعية"، مبيناً أنه "لأول مرة يتم إنشاء صندوق للمحافظات الأكثر فقراً"، وتابع أنَّ "هذا الصندوق سيعالج حالة الفقر في هذه المحافظات"، مبيناً أنه "في هذه الموازنة حافظنا على دعم المحافظات المحررة وخصصنا مبلغ 500 مليار دينار لتأمين مشاريع الخدمات ودعم الأسر النازحة"، ولفت إلى أنه "تم إنشاء صندوق لدعم قضاء سنجار وسهل نينوى وخصصنا مبلغ 50 مليار دينار".
اتفاق مع الإقليم
وعن إقليم كردستان أكد السوداني، "وصلنا إلى اتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل"، مبيناً أنه "لأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي تودع فيه ويخضع للإدارة الاتحادية"، وبين أنَّ "التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة"، مؤكداً أنه "حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي"، وأشار إلى أنَّ "هذه التفاهمات بين بغداد وأربيل تؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز"، وتابع أنَّ "حصة إقليم كردستان في الموازنة تبلغ 12.6 %".
الموازنة في أرقام
ولفت إلى أنَّ "إجمالي المُوازنة يبلغ أكثر من 197 تريليون دينار"، مؤكداً أنَّ "الموازنة التشغيلية تبلغ أكثر من150 تريليون دينار"، وتابع أنَّ "الموازنة الاستثمارية أكثر من 47 تريليوناً"، مشيراً إلى أنَّ "العجز في الموازنة يبلغ 63 تريليون دينار".
وأوضح أنَّ "إجمالي الإيرادات يبلغ أكثر من 134 تريليون دينار"، مؤكدا أنَّ "الإيرادات النفطية تبلغ أكثر من 117 تريليون دينار على أساس سعر النفط بـ 70 دولاراً، والإيرادات غير النفطية تبلغ أكثر من 17 تريليون دينار".
وبين أنَّ "ارتفاع الموازنة جاء بسبب تثبيت المحاضرين والعقود في كل الوزارات فضلاً عن المديونية"، مبيناً أنَّ "هذا العام سيتم تسديد أكثر من 12 تريليون دينار من المديونية".
وأشار إلى أنَّ "هذه المديونية داخلية وخارجية وواجبة الدفع"، مبيناً أنَّ "هناك زيادة في بعض التخصيصات ومنها الأدوية بمبلغ 300 مليار دينار ليصبح أكثر من تريليون"، وأضاف أنَّ "البترودولار سيكون تريليوني دينار يوزع بين المحافظات"، موضحاً أنَّ "تنمية الإقليم في الموازنة ستكون تريليوني دينار ونصف".
صندوق العراق للتنمية
وبيّن السوداني أنه "في هذه الموازنة أعطينا الحقَّ للمحافظات بتدوير المبالغ المخصصة"، مشيراً إلى أنه "تم تضمين مشروع قانون صندوق العراق للتنمية وخُصِّص له تريليون دينار"، وأردف أنَّ "مشروع قانون صندوق العراق للتنمية يوجه إلى القطاع الخاص"، لافتاً إلى أنه "في مشروع صندوق العراق للتنمية سيتم إطلاق تنفيذ 8 آلاف مدرسة دفعة واحدة".
وأكد رئيس الوزراء: "سنحافظ على الأموال من خلال التعامل مع القطاع الخاص بدون أي تعاقدات أو سندات"، موضحاً أنه "لأول مرة يتم إعطاء ضمانات سيادية لمشاريع ينفذها القطاع الخاص".
وتابع أنَّ "البرنامج الحكومي تبنى تغطية برامج خاصة بمقدار تريليون و865 مليار دينار للخدمات الطبية"، مؤكداً أنه "تمت تغطية نفقات المفسوخة عقودهم وسوف تكون هذه التخصيصات في قانون الموازنة".
مستحقات وقروض
وأردف أنه "تم تخفيض مبالغ استيراد الكهرباء"، مؤكداً "تأمين مستحقات الفلاحين للموسم الزراعي الحالي"، وأكد أنه "تمت إضافة 400 مليار دينار إلى قروض المشاريع الصغيرة في وزارة العمل، بالإضافة إلى زيادة رأس مال المصرف الصناعي 400 مليار دينار لدعم القطاع الخاص"، مبيناً أنَّ "مشروع قانون الموازنة لثلاث سنوات يحظى باتفاق سياسي".
وتابع: "سوف أطلب من البرلمان الحضور في الجلسة الثانية لقراءة الموازنة"، مؤكداً أنَّ "قانون الموازنة لكل العراقيين"، وأشار إلى أنَّ "الوفرة المالية من أسعار النفط سيتم من خلالها تسديد استحقاقات المحافظات وتغطية العجز"، مبيناً أنَّ "الحكومة لا تستطيع تغطية جميع متطلبات البلد من دون القطاع الخاص".
ولفت إلى أنَّ " القطاع الخاص سيحظى بدعم حقيقي"، موضحاً أنَّ "معالجة البطالة تتطلب مسارات جديدة"، وأكد أنَّ "الحكومة تمتلك رؤية في كل قطاع"، مبيناً أنَّ "مدناً سكنية سيتم تنفيذها وستوفر السكن الملائم للمواطنين".
جلسة مجلس الوزراء
وكان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ذكر في بيان أمس الاثنين، أنَّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ترأس الجلسة الاعتيادية الحادية عشرة لمجلس الوزراء، وشهدت الجلسة الموافقة على مشروع قانون الموازنة الاتحادية العامة للأعوام: 2023، و2024، 2025، وإحالته إلى مجلس النوّاب.
وأكد رئيس الوزراء في مستهل الجلسة، حرص الحكومة على أن تكون الموازنة مرآة عاكسة للبرنامج الحكومي الذي صوّت عليه مجلس النوّاب، وأشار إلى أنَّ هذه الموازنة سيجري تكرارها لثلاث سنوات، وفقاً لقانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، والذي أجاز لمجلس الوزراء أن يقدم موازنة لثلاث سنوات، مؤكداً أنَّ بإمكان وزارتي المالية والتخطيط إجراء التعديلات وبموافقة مجلس النواب في حال وجود تغيرات بالأرقام أو أسعار النفط أو الكميات.
وأوضح السوداني، بحسب البيان، أنَّ هذه الخطوات قد اتخذتها الحكومة انطلاقاً من ثقتها بالرؤية والمنهج الذي تحمله، وقد حددت أهدافها مسبقاً ووضعت هذه الموازنة بتفاصيلها، وسننتهي من العملية المعطلة لكل مرافق التنمية والبناء، حيث تصاب الوزارات عادة بالشلل قبل نهاية السنة المالية، الأمر الذي يعطل العمل ثم يبدأ فصل آخر لحين إقرار الموازنة الجديدة.
كما وافق مجلس الوزراء في جلسة الأمس، على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة في جمهورية العراق، وإحالته إلى مجلس النواب، إنصافاً لهذه المدينة، وإكراماً لشهدائها، ووافق على تمويل وزارة المالية مبلغ 5 مليارات دينار، إلى ديوان الوقف السنّي لأغراض دعم المصالحة المجتمعية، وكلف المجلس إحدى الشركات العامة التابعة إلى وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، بتنفيذ مشروع جسر داقوق.
المالية النيابية
إلى ذلك، رجّحت اللجنة المالية النيابية أن يستغرق التصويت على مشروع الموازنة عشرين يوماً في حال أرسلت قبل شهر رمضان إلى مجلس النواب.
وقال عضو اللجنة جمال كوجر، في حديث لـ"الصباح": إنَّ "من المحتمل ألا يتأخر إقرار الموازنة في البرلمان أكثر من عشرين يوماً في حال تم إرسالها قبل أعياد نوروز أو قبل شهر رمضان".
وأضاف، "ستكون هناك استضافات ومناقشات لكل الوزارات في داخل اللجنة بشأن الموازنة، وهذا الإجراء لن يؤخّر التصويت عليها، كون اللجنة المالية ستنقسم على لجان فرعية ويتم تقسيم الوزارات عليها للجلوس معهم ومناقشة حصصهم".
وتابع أنَّ "صلاحيات البرلمان في الموازنة بمسارين؛ الأول تخفيض النفقات، والثاني المناقلة بين الأبواب"، وبين أنَّ "هناك أيضاً قضية مهام رئيسة وليس قضية صلاحيات، وهي إضافة بعض الفقرات التي ليس لها جنبة مالية".
وأكد كوجر أنَّ "الإسراع بإقرار الموازنة يعتمد على مدى وجود المخالفات القانونية فيها، والنقطة الثانية مدة جدلية بعض الفقرات، والثالثة مدى العدالة في توزيع الموارد بين الوزارات من جهة والمحافظات من جهة أخرى، إذ إنه كلما كانت المخالفات والجدلية وسوء التوزيع أقل كانت الانسيابية في تشريع الموازنة أكبر وأسرع، وكلما كانت هذه النقاط الثلاث أكثر والعدالة أقل أخذت المناقشات وقتاً أكثر والخلافات سوف تزداد".
القاعدة السنوية
بدوره، قال مقرر اللجنة المالية النيابية للدورة الرابعة، الدكتور أحمد الصفار، في حديث لـ"الصباح": إنَّ "القاعدة السنوية هي إحدى أهم قواعد الموازنة العامة وذلك لأسباب كثيرة، منها أنَّ الحسابات العامة والخاصة التي تحدد سنوياً مثل حسابات الدخل القومي هي وثيقة من حيث الصلة بالموازنة".
وبين أنَّ "فترة السنة فترة نموذجية يمكن من خلالها عد الموازنة خاصة، وأنَّ الموازنة عبارة عن وثيقة تحتوي على بيانات تخمينية تقديرية لفترة مقبلة، فكلما طالت المدة ابتعدت عن الصورة الحقيقية، لذلك يمكن لمن يعد الموازنة أن يخمّن ويقدّر ما سيحصل من متغيرات اقتصادية خلال سنة، ومن الناحية السياسية فإنَّ مسألة الرقابة سواء كانت مالية خاصة بالسلطة التشريعية أو مستقلة أو إدارية يمكن أن تتحقق بشكل فعلي خلال سنة، أما إذا تعدت هذه المدة يمكن أن تضعف". وأشار إلى أنَّ "النظام المالي في العراق أو السلطة المالية غير ملتزمة بالقواعد المالية العامة وقانون الإدارة المالية الذي يعد دستوراً والذي لم تلتزم به أي حكومة منذ عام 2003، ولم تأت موازنة واحدة في الوقت المحدد وتكون ملتزمة بالتوقيتات الواردة في قانون الإدارة المالية".
ونوه بأنه "من المتوقع أنَّ الموازنة غير السنوية لا يمكن أن يصادق عليها من قبل اللجنة المالية على اعتبارها السلطة التشريعية التي أقرت قانون الإدارة المالية"، مؤكداً: "يمكن لوزارة المالية الاتحادية إعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة (3 سنوات) تقدم مرة واحدة وتشرع وتكون السنة الأولى وجوبية ولمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة، أي إنه من الممكن تقديمها لمدة ثلاث سنوات شريطة تجزئتها، فعملية الإعداد والتشريع والتنفيذ والرقابة تكون سنوية، لأنَّ الموازنة لها دورة حياة وفيها أربع مراحل (الإعداد والتشريع والتنفيذ والرقابة) وكل هذا يكون بمدة سنوية".
اختصار الوقت
من جانبه، أكد المختص في الشأن المالي، عبيد محل، في حديث لـ"الصباح"، أنَّ "موضوع إعداد الموازنة لثلاث سنوات موضوع وارد في قانون الإدارة المالية المادة 4 ثانياً، إلا أنه لم يطبق، وتعد هذه المرة الأولى التي يطبق بها هذا القانون 6 لسنة 2019، والغرض من ذلك هو اختصار الوقت لمناقشتها مرة واحدة في مجلس النواب وعدم التأخير لإعداد الموازنة كما يحصل في كل سنة، وأحياناً لا تعد حتى موازنة بسبب هذه النقاشات"، مبيناً أنَّ "تقديم الموازنة لثلاث سنوات ضمن لنا جانب عدم التأخير أو عدم إقرارها كما حدث سابقاً".
ونوه محل بأنَّ "هناك مخاطر حقيقية لابد من الإشارة إليها، منها عدم استقرار موارد الدولة لاسيما أنها تعتمد على سعر النفط بشكل كامل، لذلك لا يعتمد عليها في تقدير ثلاث سنوات بسبب التذبذب"، مختتماً حديثه بالقول: إنَّ "الموازنة لثلاث سنوات جيدة إذا ما توفرت بها مقومات الإعداد الجيد وتجاوز المخاطر المتوقعة".
السياسي المستقل، عمر الناصر، ذكر في حديث لـ"الصباح" أنه "في كل عام يأخذ موضوع إقرار الموازنة حيزاً كبيراً من تفكير المواطن والمطبخ السياسي، وتدخل التيارات والأحزاب والقوى السياسية في مناكفات وسجالات ومساومات بسبب عدم حسم القضايا المفصلية العالقة بين المركز والإقليم من جهة، وبين الكتل السياسية الموجودة في بغداد من جهة أخرى".
وعدّ الناصر أنَّ "إقرار الموازنة الحالية بهذه الكيفية له بعض الإيجابيات والسلبيات منها؛ تجنب موضوع تأخير رصد الأموال اللازمة لتنفيذ المشاريع التنموية المعطلة والمتلكئة التي سببها سوء الإدارة والتخطيط والتي أكد على تنفيذها البرنامج الحكومي، وضمان دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية وغيرها دون قلق أو تلكؤ أو تأخير"، وأضاف، "إلا أنَّ إحدى السلبيات فيها هو عدم وجود ضمان باستقرار أسعار النفط العالمية واعتماد العراق على إيرادات النفط كمصدر أحادي للدخل، بسبب غياب التخطيط وعدم وجود ستراتيجيات نوعية لتعظيم موارد الدولة لجعل الميزانية في مأمن من التقلبات والمتغيرات السياسية اللحظية المحلية والدولية والإقليمية التي تؤثر في جودة القرارات الحكومية".
تحرير: محمد الأنصاري