السوداني من ملتقى السليمانيَّة: مشاريع مستدامة بدل «المشكلات العالقة»

العراق 2023/03/16
...

 السليمانية: عذراء جمعة

 بغداد: محمد الأنصاري

 

قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إنَّ الموازنة ستترجم البرنامج الحكومي بصورة عمليَّة، مبيناً أننا تعهَّدنا بتقديم الخدمات لمواطنينا وبناء اقتصاد قوي متماسك، وبينما أكد أنَّ العراق لن يكون ممراً للاعتداء على أي من دول الجوار، شدد أنَّ العراق أيضاً غير قابل للتقسيم أو التجزئة وأنَّ على الجميع 

احترام سيادته.

وبين السوداني، في كلمة أثناء افتتاح «ملتقى السليمانية السابع»، أمس الأربعاء، أنَّ «انعقاد مثل هذه المؤتمرات بحضور هذا الجمع الكبير من الباحثين والمهتمّين بالشأن العراقي، دليل على حرية التعبير وممارسة الحياة الديمقراطية في عراق اليوم».

وأضاف، «تعهدنا في برنامجنا الحكومي بتقديم الخدمات لشعبنا وبناء اقتصاد قوي متماسك»، مؤكداً «تحقيق نسب كبيرة من البرنامج الوزاري»، وأشار إلى أنَّ «الاتفاق على مشروع قانون الموازنة، يمثل خطوة جريئة، تتفادى الإخفاقات السابقة، وتعبّر عن الوضوح في الرؤية المرسومة لأهدافنا المُعلنة 

في خدمة المواطن».

وبين أنَّ «الموازنة مفتاح مهم لفتح أبواب الحل لمشكلات عدة، وتحقيق أولويات معالجة البطالة، ومكافحة الفقر، والفساد، والشروع بالإصلاح الاقتصادي»، ولفت إلى أنَّ «الاستقرار المالي والسياسي يعبِّد الطريق أمام استثمار أمثل لثروة بلدنا الأولى، وتشريع قانون النفط والغاز، والتفاهم مع إقليم كردستان العراق بهذا الصدد»، مشدداً على «ضرورة مغادرة مصطلح (المشكلات العالقة)، ونستبدلها بعبارات المشاريع المستدامة، والفرص الاقتصادية المشتركة، من أجل رفاه مستدام 

وعادل لكل العراقيين».

وأشار إلى أنَّ «الذكرى المؤلمة للجريمة النكراء التي ارتكبها النظام الدكتاتوري ضد شعبنا الكردي في مدينة حلبجة هي مناسبة حزينة، وصوّتنا في مجلس الوزراء قبل يومين على مشروع تحويلها إلى محافظة، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه مقابل تضحياتهم الجسام».

وأكد أنَّ «لقاءاتنا في أربيل كانت مثمرة، والتقيت مجموعة من رؤساء الأحزاب وممثلي المكوّنات، وتحاورنا بلا قيود، لأننا- قولاً وفعلاً- أبناء وطن واحد، ومصير واحد»، مثنياً «على الجهود المبذولة للتوفيق بين القيادات السياسية الكردستانية لتوحيد الصف، ونحن داعمون لهذه الجهود».

وأكمل قائلاً: إنَّ «النعرات المشوهة لوحدة العراق، التي ترى أنَّ قوة جزء من أجزائه هي بإضعاف الحكومة الاتحادية أو بإضعاف المكونات الأخرى في البلاد، كانت مدخلاً لعصابات داعش الإرهابية للانقضاض على قلب الدولة، مهددةً جميع المكونات من دون استثناء».

وأوضح، «نتطلع إلى شراكات اقتصادية عميقة ومستدامة، تجمعنا بالشعوب الشقيقة والصديقة، ونتبادل الحرص على الأمن معهم، بالتعاون الاقتصادي الفعّال والمثمر، يمكن فقط التأسيس لأمن مستدام».

وأكد رئيس الوزراء، «لن نقبل أبداً أن تكون أرض العراق منطلقاً لتهديد أمن الجوار، ودستورنا يُلزمنا بعدم التدخل في شؤون الآخرين، مثلما لا نقبل بأن تمس كرامة أرضنا وسيادتنا انطلاقاً من الجوار أو من غيره، وعلى الجميع احترام سيادتنا»، مشدداً أنَّ «العراق غير قابل للتقسيم أو التجزئة».

ولفت إلى أنَّ «حكومتنا أولت، مبكراً، أهمّية خاصة لتدعيم قوات حرس الحدود، وزادت من جهود ضبطها ومنع التسلل، والقضاء على أي قوّة تسعى لزعزعة الاستقرار، سواء في إقليم كردستان أو في أي مكان آخر من أرض العراق».

وذكر أنَّ «تاريخ العراق وموقعه الجغرافي وإمكانياته وقدراته الاقتصادية وما يمتلكه من موارد بشرية، تؤهله للعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط والعالم؛ كي يصبح مرتكزاً إقليمياً».

وأفاد بالقول: إنَّ «هذا الأسبوع كان حافلاً بالنجاحات وتسليط الضوء على قضية إنسانية تربط العراق بمحيطه الإقليمي والدولي عبر عقدنا مؤتمر المناخ في البصرة، إذ سعينا ضمن برنامجنا الحكومي لمنح الأولوية لمواجهة آثار التغيرات المناخية عبر عدد من المشاريع التي تسهم في تقليل الانبعاثات منها إنشاء محطات الطاقة المتجددة، وتأهيل مواقع الطمر الصحّي المغلقة، ومشاريع مكافحة التصحر، وتقنيات الرّي المقنِّنة للمياه، 

ومعالجات المياه الثقيلة.»

ونوه، “وقّعنا مؤخراً عقود جولة التراخيص الخامسة لاستثمار الغاز المصاحب ووقف حرقهِ، لخفض الانبعاثات الكربونية بنسب كبيرة، وسنمضي في تطوير المشاريع التي تحوّل الغاز المصاحب إلى مصدر للطاقة الكهربائية”.

وأضاف، “أطلقنا مبادرة كبرى لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، يرافقها إطلاق دليل وطني للتشجير الحضري ولأوّل مرّة في العراق”، واختتم بالقول: “يمكن للعالم أن يتعلم الدروس الكثيرة من معركة الشعب العراقي، بمختلف أعراقه وأديانه، في حربه ضد الإرهاب”.


حوارية خاصة

وفي حوارية خاصة على منصة كبار الضيوف في الملتقى، أجاب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن أسئلة الصحفية الكندية المخضرمة جاين عراّف، وقال: “نستذكر المآسي والجرائم والحروب العبثية والحصار والفقر الذي استشرى بشكل واضح إبان حكم النظام الدكتاتوري”، مبيناً أنَّ “ذلك ينعكس على رؤيتنا لعراق المستقبل، حيث نعمل لأجل عراق مستقر مسالم بعيداً عن الحروب والتدخلات الخارجية وبنفس الوقت بعيداً عن الصراعات”.

وأشار إلى “أننا لن نقبل أن يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات، بل يكون ساحة لالتقاء الفرقاء وإقامة الشراكات الاقتصادية، وأنَّ لدينا المقومات التي نعتقد أنها كفيلة بأن تكون مرتكزاً لتحقيق الشراكات الاقتصادية مع الدول الإقليمية والعالم”.

ونوّه السوداني بأنه تعرض بـ”شكل شخصي” للظلم إبان فترة النظام الدكتاتوري، وأنَّ ذلك دافع له على المستويين الإنساني والأخلاقي لـ”منع تكرار الظلم مع أي عراقي”. 

وبشأن الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، جدد رئيس الوزراء ترحيبه بعقد الاتفاق بين البلدين الجارين، مشيراً إلى أنَّ العمل على تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض جرى العمل عليه من قبل العراق منذ سنوات، من أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي مروراً بحكومة الكاظمي وأخيراً الحكومة الحالية، مؤكداً أنَّ “الاتفاق بين البلدين سيرسخ عامل الاستقرار في المنطقة، ويدفع نحو النهوض بواقعها الاقتصادي والتنموي، ويسهم في توفير الحياة الكريمة

لمواطني المنطقة”.

وبخصوص علاقة العراق بالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عموماً، ذكر السوداني أنَّ “من مصلحة العراق أن يقيم علاقة على جميع الأصعدة مع واشنطن”، مبيناً “أننا نسعى لتفعيل بنود اتفاقية الإطار الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية”، داعياً المنظومة الغربية إلى “تفهم الوضع العراقي وتاريخه وعمقه وإرثه الإنساني الكبير”، مؤكداً أنَّ “استقرار العراق 

استقرار للعالم أجمع”.

وإجابة عن سؤال بشأن ظاهرة الفساد في العراق، أكد أنه أطلق مصطلح “الجائحة” على الفساد، وأنه مطلوب منه كرئيس حكومة إيجاد “اللقاح” المناسب لمواجهته، وأضاف أنَّ الفساد تهديد خطير لكيان الدولة العراقية، فهو يهدد كل الخطط والبرامج والسياسات التي ننوي تنفيذها، وأنه “بدون الوقوف أمام هذه الظاهرة والحد منها بإجراءات مهنية قانونية سليمة لن يكتب لهذه الخطط النجاح ولن يكون الطريق سالكاً أمام القطاع الخاص الذي نعول عليه كثيراً وبدونه لا نستطيع أن نستوعب الكم الهائل من المطالب والخدمات”.

وأوضح أنه “بمعالجاتنا الحالية للفساد؛ نستهدف استرداد الأموال من الفاسدين الذين تجاوزوا على المال العام بحكم وجودهم في مواقع رسمية أو غير رسمية واحتالوا على الدولة، وهو تحدّ والتزام أمام الشعب، وقطعنا خطوات مهمة في مجال مكافحة الفساد لنكون على استعداد لتهيئة البيئة المناسبة الجاذبة للقطاع الخاص بعيداً عن الروتين والتعقيد”، مبيناً “أنا أولي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر لإيماني المطلق بأهمية القطاع الخاص الذي سيكون أفضل سند للحكومة 

في الأزمات”.

وأكد السوداني أنَّ “الحديث عن تهديد التغير المناخي في العراق ليس حديثاً ترفياً أو كمالياً، وإنما هناك تهديد وجودي للبلد، بسبب تزامن مجموعة مشكلات في وقت واحد؛ إذ إنَّ لدينا شحاً في مياه دجلة والفرات، وزيادة في نسبة التصحر، ومشكلات في معالجة مياه الصرف الصحي وقلة المساحات الخضر، والمشكلة الأهم الغاز المصاحب للنفط الذي يُحرق ويسبب الكثير من الانبعاثات التي تؤثر في الاحتباس الحراري”، مبيناً أنَّ “أمام هذه التحديات لابد من وجود برامج للعلاج من قبل الدولة وأنَّ على المجتمع الدولي مناصرة العراق ومساعدته لمواجهة هذا الملف الخطير”.


قيادات الاتحاد الوطني

وكان السوداني، وصل صباح أمس الأربعاء، إلى مدينة السليمانية، وذلك ضمن زيارته إقليم كردستان العراق.

والتقى رئيس الوزراء في السليمانية رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في مدينة السليمانية، وذكر بيان لمكتبه الإعلامي، أنَّ «اللقاء شهد التأكيد المتبادل على أهمية تدعيم التفاهمات السياسية بين مختلف التيارات الوطنية، بما يؤمّن الاستقرار والازدهار الاقتصادي».

وأشار السوداني، بحسب البيان، إلى «أولوية تحقيق تطلعات المواطنين في تلقيهم الخدمات اللائقة، وتعزيز فرص الشباب وأدوارهم 

في التنمية والبناء».

من جانبه رحّب طالباني «بزيارة رئيس الوزراء»، مثمناً «أداء الحكومة المتصاعد في تنفيذ المنهاج الوزاري»، وأكد «دعمه خطوات الحكومة، ضمن أولويات تنفيذ برنامجها الإصلاحي».

كما التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق قوباد طالباني، بحضور محافظ السليمانية ووزير التخطيط في حكومة الإقليم 

ورئيس إدارة حلبجة.

وشهد اللقاء الذي جرى في مقر نائب رئيس حكومة الإقليم، استعراض مجمل الأوضاع العامة في الإقليم ومحافظة السليمانية 

ومدينة حلبجة.

وأشار رئيس الوزراء، بحسب بيان لمكتبه، إلى أهمية العمل المتضامن لحلّ جميع الإشكالات الداخلية انطلاقاً من الأسس التي أرساها الدستور، كما أوضح ضرورة مواجهة التحدّيات سواء على الصعيد الاقتصادي، أو على صعيد التنمية وتأمين الخدمات للمواطنين بوصفها أولوية وضرورة، وعليها يقوم الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.

من جانبه، ثمَّن قوباد طالباني قرار الحكومة التصويت على مشروع قانون تحويل حلبجة إلى محافظة، وعدّه إنصافاً مضافاً لضحايا هذه المدينة التي تعرضت إلى أبشع هجمة في زمن النظام الدكتاتوري، وجدّد الدعم لمسار الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، وتحقيق البرنامج الحكومي لمصلحة جميع العراقيين.

وزار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ضريح الرئيس الراحل جلال طالباني في مدينة السليمانية، وقرأ سورة الفاتحة ووضع إكليلاً من الزهور على الضريح.

وأشار السوداني في الكلمة التي كتبها في سجل الزيارات، إلى الدور البارز للرئيس الراحل «مام جلال» في بناء الدولة ما بعد 2003 وكتابة الدستور، وحكمته ووطنيته التي تستدعي استلهامها لتعزيز استقرار إقليم كردستان الذي هو استقرار لكل العراق.


كلمات في الملتقى

إلى ذلك، أكدت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، قدرة الحكومة بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على إعادة البلاد إلى مسار الاستقرار.

وقالت بلاسخارت خلال كلمة في ملتقى السليمانية: إنَّ “إقرار حكومة العراق الجديدة الذي تمّ مؤخراً بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوفر فرصة بالغة الأهمية لإعادة البلاد إلى مسار الاستقرار”، وأضافت أنه “في أحدث إحاطة لي قدمتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أوائل شباط، ذكرت أنَّ الحكومة العراقية أبدت عزمها على معالجة عدد من القضايا الملحة”.

وتابعت، “لا يسعني إلا التأكيد مرة أخرى على أنَّ أي حكومة تحتاج إلى بعض الوقت لإنجاز الأمور، وكذلك لكي تحقق أي حكومة تقدماً ملموساً، فإنَّ الدعم واسع النطاق سواء كان ذلك من داخل التحالف أو خارجه يعدّ متطلّباً أساسياً”.

من جانبه، دعا رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الحكومة الاتحادية إلى تخصيص ميزانية خاصة بمحافظة حلبجة ضمن الموازنة بعد اعتبارها رسمياً 

المحافظة الـ19 للعراق.

وقال بارزاني خلال كلمته في ملتقى السليمانية: إنَّ “الإقليم يدعم كل خطوات حكومة السوداني، ويأمل بتطبيق البرنامج الحكومي الذي سيكون الإقليم أول الداعمين له، ونثمن عالياً قرار حكومته في إقرار الموازنة الاتحادية ونأمل أن يكون إقرار قانون النفط 

والغاز بنفس الروحية”.

بدورها، ذكرت مستشارة المجلس الروسي للشؤون الدولية، إيلينا سوبونينا في كلمة بملتقى السليمانية، أنَّ “روسيا ترى أنَّ العراق سائر باتجاه تعزيز مؤسسات الدولة وأخذ دور إقليمي ودولي أكبر”.

وأضافت، “إننا نرى أيضاً دور العراق التوسطي في كثير من الأزمات في هذه المنطقة”، مؤكدةً أنَّ “روسيا ترحب بهذا الشي”، وأكدت سوبونينا، أنَّ “روسيا ترى أنَّ العراق الآن يسير في الطريق نحو الاستقرار”.

وانطلق أمس الأربعاء، ملتقى السليمانية الدولي السابع تحت عنوان “بعد 20 عاماً العراق والمنطقة في خضم تحديات عالمية جديدة”، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، وبمشاركة 500 شخصية من صناع القرار وباحثين وصحفيين من الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا باستضافة “معهد الدراسات الإقليمية والدولية” في الجامعة 

الأميركية في السليمانية . 

وبينت إدارة الملتقى خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته أمس الأربعاء وحضرته مراسلة “الصباح”، أنَّ “الملتقى ذو طابع سياسي يركز على قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنه ستتم فيه مناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية والقانون وحقوق الإنسان والصحة والطاقة وغيرها، بالإضافة إلى عرض وجهات النظر الحالية ونقاط الخلاف، وسيسعى الجميع إلى ترجمة الأفكار والمناقشات إلى إجراءات وسياسات ملموسة يمكن أن تُجري تغييراً ملحوظاً».