رؤية محايدة للاتفاق السعودي الإيراني

آراء 2023/03/22
...



 عبد الحليم الرهيمي


رغم مرور نحو إسبوعين على إعلان الاتفاق السعودي – الإيراني في بكين وبرعاية صينية في العاشر من شهر آذار/ مارس الحالي، ما زالت التحليلات والتوقعات والرؤى حول هذا الاتفاق تتوالى، وتتعدد حول دوافعه واسبابه واهميته ودلالاته وكذلك حول مآله وامكانية تطبيق بنوده.

وتكاد تجمع معظم التحليلات والرؤى التي تناولت الحدث في العالم، أن الاتفاق كان صدمة ومفاجئة للكثيرين، وأنه سيؤدي إلى متغيرات أقليمية ودولية غير متوقعة من قبل.

وبالطبع فإن معظم تلك التحليلات والتوقعات أستندت إلى ما اعلن في بيان الاتفاق دون معرفة ما تضمنه من بنود وقضايا لم تعلن حسب تصريح مسؤول حكومي إيراني، وكذلك تصريح الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية وسفير المملكة في واشنطن سابقاً إلى إحدى الفضائيات بالقول: من خبرتي أقول إن كل اتفاق بين طرفين لا بد ان يتضمن بنوداً سرية.

ومن الواضح أن لكل من السعودية وإيران دوافع واسباب دعته للوصول والتوقيع على هذا الاتفاق كحاجة وضرورات ملحة لكل منهما، ساعدت على التفاهم.

إن ابرز واهم الاسباب والضرورات التي دفعت إيران إلى الدخول في التفاوض مع السعودية – الذي رعاه كل من العراق وسلطنة عمان بجلسات حوار استمرت لعامين – ثم قطفت الصين الثمار بحوارات لخمسة ايام اعلن بعدها الاتفاق، هو الوضع الاقتصادي والمالي السيئ لإيران، الذي تعاني منه بسبب العقوبات الاميركية والاوربية عليها منذ سنوات، فضلاً عن كلفة دعم الحوثيين في اليمن ودعم وتمويل الجماعات المسلحة والسياسية الموالية لها في عدد من البلدان.

ومما زاد هذا الوضع سوءاً هو توجه العراق والولايات المتحدة مؤخراً لمنع تهريب الدولار اليها والى دول آخرى، الأمر الذي زاد في تفاقم ازمتها يضاف إلى ذلك الازمة الوطنية السياسية التي تتمثل باندلاع تظاهرات شعبية لنحو عام ضد النظام السياسي الحاكم، هذا فضلا عن العزلة السياسية التي تعاني منها على الصعيدين الاقليمي والدولي، وبالتالي آثار استمرار تلك الازمات على مستقبل النظام.

- اما ابرز وأهم الاسباب والدوافع التي دعت السعودية للتفاوض والتوصل إلى اعلان الاتفاق مع إيران في بكين وبرعاية صينية لخمسة ايام من المفاوضات، حيث تم تهميش غير لائق للدورين العراقي والعماني، فهو رغبة الرياض الملحة والجادة لإنهاء الحرب وتسوية دور جماعة الحوثي المعادية لصنعاء والرياض بدعم ومساندة مالية وتسليحية سخية من طهران. 

إذ استنزفت هذه الحرب السعودية، استنزفت في الوقت نفسه إيران، الامر الذي أوجد مصلحة مشتركة ورغبة قوية لكل من الرياض وطهران بإنهاء هذه الحرب وكوارثها وتأثيرها السلبي الكبير في البلدين، لذلك سيكون البحث في هذه القضية من أولويات الاتفاق والمصالحة، وربما بعد الشهرين اللذين حددا لفتح السفارتين في الرياض وطهران واعادة البعثات الدبلوماسية للبلدين، وعدا ذلك فإن احد الاسباب المهمة التي دفعت السعودية للتفاوض والاتفاق، هو حل وإنهاء مشكلة الجماعات المسلحة والسياسية التي تمولها وتدعمها طهران، والتي تعتبرها الرياض مزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة ومعادية لها، والتي تعمل أو تتواجد في العراق وسورية ولبنان، اضافة لجماعة الحوثي في اليمن، وهي البلدان التي اعلن اكثر من مسؤول إيراني بتصريحات رسمية ان لهم أنصار و(مقاومين) فيها مؤيدين لإيران.

لذلك يمكن التوقع ان يتضمن الاتفاق السبل والآليات التي ستقوم بها طهران لحل هذه المشكلة المهمة والمعقدة دون شك.

إن الدور الذي منحه الطرفان لتوقيع الاتفاق في العاصمة الصينية بكين وبرعاية الرئيس الصيني (شي جين بينغ) واستثناء حضور ممثلين عن العراق وسلطنة عمان، إنما جرى بحسابات وسعي طرفي الاتفاق لسبب مهم ومعلن، وهو أن الصين هي القادرة اكثر من الآخرين على ضمان تطبيق بنوده دون اختراق وخاصة من إيران، لكن الاسباب الاخرى لطرفي الاتفاق والطرف الصيني لا تخفى على المراقبين، حيث ترى إيران بذلك ازعاجاً لواشنطن، وتسجيل هدف ضدها في حين لم تمانع الرياض – كما يبدو – للقبول بما يغيض بايدن ويوجه رسالة لادارة الحزب الديمقراطي، التي تتمادى في معاداة السعودية وولي العهد الامير محمد بن سلمان، فضلاً عن رغبتها الاساس بايجاد توازن في علاقاتها الدولية ورغبتها في أن يثير ذلك سجالاً داخل أوساط الادارة والنخبة السياسية والحزب الجمهوري على خطأ وخطل سياسة الحزب الديمقراطي ليس فقط تجاه السعودية انما ايضاً ضد دول وشعوب المنطقة. 

ومن بين ما يتذكره السعوديون جيدا.

هو ذلك التصريح الساذج للرئيس السابق أوباما، الذي عبر فيه عن لا مبالاة واستخفاف بالسعودية ودول المنطقة برمتها والقول بأنها لم تعد ستراتيجياً مهمة لبلاده!.

وبالطبع فإن الصراع المعلن والخفي بين السعودية وادارة بايدين وعموم الادارات الديمقراطية، لا يعني استمرار الصراع ومعاداة اميركا، بل أن الرياض تؤكد دائماً أنه لا يمكن التقليل من شأن العلاقات الستراتيجية لثمانين عاماً ما بين المملكة السعودية واميركا، بل إن الحاجة السعودية اليها ستبقى حاضرة مثلما يرى الحزب الجمهوري في رؤيته للعلاقة مع السعودية.

ويبقى الرهان على النجاح في تطبيق الاتفاق ومدى جدية وحزم الصين في منع اختراقه أو تعطيل أي من بنوده من أي جهة وخاصة من إيران.