المجاهرة بالأسعار

الصفحة الاخيرة 2023/03/27
...

عبد الهادي مهودر



في غمرة الجدل المتجدد سنوياً حول محاسبة المجاهرين بالإفطار في شهر رمضان اطلعت على تحقيق صحفي لجريدة (اليوم السابع) المصرية عن عقوبات المجاهرة حسب كل بلد عربي ومنها مصر التي تصنفه كفعل فاضح عقوبته الحبس ثلاثة أيام وغرامة مئة جنيه، وعقوبات أشد في بعض دول الخليج، وأخف في لبنان والعراق، بينما هناك دول عربية لا تعرف الإفطار العلني لكونها تحتفل 

شعبياً بقدوم شهر رمضان وتصبح المجاهرة فعلاً غير مقبول اجتماعياً تنتفي معه الحاجة لقوانين وإجراءات حكومية، والحالة الطوعية الأخيرة تبدو هي المثالية وأفضل الخيارات وتكفي المؤمنين وغير المؤمنين شر الحبس والغرامات، وحسب التحقيق فمعظم هذه الدول تضع المجاهرة وليس الإفطار في خانة المخالفة والإخلال بالقيم والآداب العامة للمجتمع، وبالنسبة للحالة العراقية فلم نجد في مشاهداتنا ما يمكن وصفه بالمجاهرة القصدية التي تستهدف التحدي للمشاعر أو الاستخفاف بركن من أركان الدين، ولا يمكن وصف بائع مياه الشرب المعبأة بأنه يتصرف بقصدية حين يجلس أمام (فلينة) لا تؤذي المشاعر ولا يلتفت إليها أحد، بل إن اللافت أكثر منها هو الستارة البيضاء المفروضة على المطاعم المكتوب عليها عبارة (المطعم مفتوح) بالبنط العريض، فقبل حلول شهر رمضان لم نكن نعلم إن كان هذا المطعم مغلقاً أم مفتوحاً لو لا هذه الستارة البيضاء التي تسر الناظرين، والصائم الذي لا يصمد أمام مطعم مفتوح لا جدوى من صيامه (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع 

والعطش).

كما أن الحديث عن إجراءات مشددة واعتقالات واسعة 

بولغ به، وإذا كان هناك ما نطالب وزارة الداخلية والوزارات ذات العلاقة بالتشدد فيه إلى أقصى حد فهو التصدي لرفع الأسعار والجشع خلال شهر رمضان تحديداً، لأن رفع الأسعار هو الاستفزاز للمشاعر والتحدي الحقيقي لحرمة هذا الشهر والاستغلال السافر لحاجة الناس للمواد الغذائية والاستهلاكية التي تدخل في موائد الإفطار، والحكومة والبرلمان مطالبان بتفعيل القوانين المهمة التي شرّعت وأقرت ولم تدخل حيز التنفيذ الفعلي بعد، وفي مقدمتها قانون حماية المستهلك الذي جاء في الأسباب الموجبة لتشريعه (إقرار مبدأ العدل والمساواة بين المجهزين ومستهلكي السلع ومتلقي الخدمات والحفاظ على صحتهم وسلامتهم وللحد من ممارسات الغش الصناعي والتلاعب..) وإذا كان هناك من انتهاك صارخ لحرمة هذا الشهر فهو هذا النوع من المجاهرة برفع الأسعار في الشهر الذي ترفع فيه الأعمال وليس الأسعار.