د. حامد رحيم
بعيداً عن صخب التجاذبات حول قضايا ثانوية وفقا لمتطلبات تحقيق التنمية الاقتصادية، الحلم (المغيب)، عن واقعنا الاقتصادي مثل سعر الصوف وما يثار حوله من صرعات ضخمته بشكل غير مبرر، واستناداً لأولوية تحقيق التنمية الاقتصادية، باعتبار أن اقتصادنا متخلف يحتاج لتغيير جوهري فإن الركيزة التنموية الاولى التي يمثلها البعد المادي، الذي يعالج مشكلة الاحادية هي التنوع في النشاط، وهذا يستلزم حفز الصناعة التحويلية وربطها بالقطاع الزراعي بشكل متبادل، ناهيك عن ربط الوشائج مع القطاع الخدمي بفروعه المتنوعة، بالاضافة إلى القطاع الاحدث اقتصاديا وهو القطاع المعرفي.
واحد من النماذج الاقتصادية التي تعالج فكرة التنويع المشار اليه هو نموذج (المستخدم/ المنتج)، فكرته تقوم على اساس مهم يضمن حفز القطاعات النشاطات الاقتصادية بمختلف صنوفها عبر ايجاد ترابط بعضها بالبعض الآخر، فالمخرجات لنشاط اقتصادي معين هو مدخل لنشاط قطاع اخر وهكذا وهذا النموذج يقوم على اسلوب رياضي، ينظم بجداول يحقق الضمان في ايجاد الحفز المطلوب لاستدامة عملية سحب المنتجات، وعدم حدوث حالة الكساد، التي تقود إلى انكماش تلك النشاطات ومن ثم ضمان تصاعد وتيرة الانتاج وفي النهاية خلق القيمة المضافة في النشاط الاقتصادي القائم.
اقترن هذا النموذج المهم بالنمط الاشتراكي في الادارة الا ان التطور الحاصل في الفكر الاقتصادي والذي يعزى إلى النماذج التنموية الحديثة نسبيا خصوصاً نماذج التنمية الاقتصادية في منطقة (النمور الاسيوية) والتي احدثت نقلة نوعية في الفكر الاقتصادية في مجال التحول المفاهيمي في التخطيط الاقتصادي من ادارة النشاط، وفقا للنموذج الاشتراكي إلى التأثير في النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف التنمية، ما صنع حيزا مرنا للتعامل مع دور الدولة في النشاط الاقتصادي القائم.
في العراق القطاع الخاص يعاني من مشكلات عديدة، بعضها ذاتي يتمثل بضمور هذا القطاع نتيجة لقلة الخبرة وغياب التطور التكنولوجي وغيرها، ناهيك عن العوامل الموضوعية التي مثلها غياب الامن والاستقرار السياسي ودور السياسة التجارية السلبي وغيرها الامر الذي يفرض وجود دور استثنائي للحكومة في ايجاد مقدمات تحقيق التنمية الاقتصادية عبر البحث في السبل لإيجاد التنوع الاقتصادي على الاقل في الاجل القصير والمتوسط لتبقى المراهنة على القطاع الخاص في الاجل الطويل ليمسك زمام المبادرة، وهنا يستلزم النظر في ايجاد تطبيق فعلي للنموذج المشار اليه على الاقل في القطاع الحكومي ونشاطه باعتبار أن الانفاق الحكومي، يشكل ركنا اساسا في الطلب الكلي المحفز للنمو الاقتصادي.
لا يخفى عن المتابع، أن النشاط الحكومي في معالجة طلب الوزارات عبر السنوات الماضية والى الان يشوبه العديد من الاشكالات والمشكلات مثله عدم وجود رؤية تنموية تقوم على اساس ايجاد التشابك المشار اليه آنفا بين الوزارات ذات الشأن، لتلبية حاجات تلك الوزارات على سبيل المثال وزارة التجارة، التي تعالج قضية البطاقة التموينية، اذ تعتمد الوزارة بشكل كبير على المستورد بالرغم من وجود انتاج محلي على الاقل في محصول الحنطة، الا أن ما طفح للاعلام اظهر (فضيحة) كبرى تمثلت باتلاف ملايين من الاطنان المسوقة إلى السايلوات في الوزارة دون معرفة الاسباب بالمقابل هناك استيرادات من الحنطة تكلف ملايين الدولارات. كذلك ملف تجهيزات وزارتي الدفاع والداخلية من ملابس عسكريةشش وغيرها، فبالرغم من تمكن وزارة الصناعة من انتاج هذه السلع، إلا أن العقود تبرم مع جهات خارجية لتوريدها حتى ملف المشتاقات النفطية وغيرها كلها تثير الشبهات على نزاهة تلك الممارسات.
كان من الأولى أن نجد تشابكا بين تلك الوزارات بالشكل، الذي يضمن الاقتصاد في مواردنا المالية المتاحة وصناعة حالة من الاكتفاء الجزئي في توفير تلك المنتجات. إن الفساد والهدر وسوء الادارة عوامل بددت الثروة الوطنية وجعلت (حلم التنمية) موضوع بعيد المنال، لذلك يستلزم وقفة جادة لإيقاف هذا الهدر والفساد، شرطا ضروريا وليس كافيا، للشروع نحو بدايات التنمية الاقتصادية.