حمّى اليورانيوم المنضَّب قد تصل لأوكرانيا

آراء 2023/03/28
...

  سناء الوادي 


ما أشبه اليوم بالأمس ومحطات التاريخ المؤلمة لا تتوقف حتى يغدو لكل شعبٍ منها نصيب، فقد استذكر الصربيون في اليومين الماضيين قصف جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية من قِبل قوات حلف شمال الأطلسي عام 1999م بأكثر من ثلاثة آلاف صاروخ مجنح، وما يقرب من الأربعين ألف قذيفة تحوي نحو 15 طناً من اليورانيوم المنضّب (المستنفذ)، ذلك القصف الذي استمر لمدة ثلاثة أشهر لإيقاف عملية الإبادة العرقية في إقليم كوسوفو.


التي كان ينفذها الصرب ما أسفر عن كارثة إنسانية كبرى وسط أوروبا، وللمصادفة العجيبة فإنه يتردد في هذه الأثناء ونقلاً عن نائبة وزير الدفاع البريطانية أنابيل جولدي استعداد بلادها تزويد أوكرانيا بذخيرة وأسلحة اليورانيوم إلى جانب عدد من دبابات تشالنجر 2، وهذا ما سارعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوعد بالرد الحاسم في عمق بريطانيا، وذلك في الوقت الذي تستضيف موسكو على أراضيها الرئيس الصيني، لتتوالى بعد ذلك تصريحات المسؤولين الروس شديدة اللهجة المحذرة لعواقب هذا السلاح الذي قد يكون شرارة اندلاع حرب نووية، وبمجرّد سماع اسم هذا المكوّن تُعاد إلى الذاكرة البشرية تلك المجازر البشعة التي ارتكبت في البصرة جنوب العراق من قِبل قوات الناتو بقياد أميركا وانكلترة التي قصفت الجيش العراقي في عملية سُميت عاصفة الصحراء عام 1991م ودرع الصحراء التي تلتها مباشرة كإجراءٍ لإنهاء حرب الخليج، وهو ما ترك في أذهان العراقيين جرحاً سيبقى نازفاً سنيناً طويلة راح ضحيته الآلاف وأغلبهم من الأطفال بإجمالي 944 ألف قذيفة أُطلقت على أهداف عراقية.

شيطان العالم الأكبر الأميركي لا يتوقف عن بثّ الأذى و إلحاق الضرر بالحجر والبشر تحت مسمياته المهترئة لحقوق الإنسان، ونشر العدالة ليقنع ذراعه الإنكليزي ببيع الموت بالمجان لأوكرانيا لوضع العصي في عجلات روسيا والصين الدائرة بشكل متسارع وفعّال لتحويل شكل النظام العالمي السائد، فتدوس بقدميها على كل من تسوقه أقداره ليكون في طريقها، فيدفع المدنيون قبل العسكريون الثمن الباهظ للعبة السياسة القذرة.

فقد كشفت صحيفة آسيا تايمز الصينية في تقرير لها عن أنه عمليات تسليم هذه الذخيرة، التي تحتوي على اليورانيوم المستنفذ، تعني أن القوات المسلحة الأوكرانية باتت على وشك تنفيذ هجوم على شبه جزيرة القرم، حيث اعتبر التقرير جمع المعلومات من قِبل المسيرة mq 9 التي أسقطتها روسيا في البحر الأسود ما هو إلا دليل على الاستعدادات.

في الحقيقة أن غضب موسكو من إرسال هذا النوع من القذائف ليس لفعاليتها القوية في اختراق التحصينات والمدرعات لكنه لخطورتها على الإنسان والتربة لعشرات السنين وهذا يعني أن أوكرانيا وجزءا من روسيا المصدّر الأول للعالم للقمح والحبوب، ستغدو أرضاً محروقة ملوثة بالإشعاعات السامة، واستحالة عودة الحياة لها بعد انتهاء الحرب، وعلى الرغم من السجالات الدائرة حول درجة خطورة اليورانيوم المنضّب، إلا أن الخبراء متفقون على وجود خطر سمّي وإشعاعي كبير له، فعند استخدام هذا المكون الذي يعتبر من نواتج احتراق الوقود النووي أي العادم في صنع القذائف وطلقات الرصاص لزيادة قدرتها على الاختراق لعدة أمتار تحت الأرض، لتميّزه بالكثافة العالية التي تفوق صلابة الفولاذ بمرتين ونصف وبأضعاف كثافة الرصاص ب 1,7 وعند احتكاكه بالفولاذ ونتيجة لارتطامه بالهدف فالحرارة العالية الناجمة تؤدي للاحتراق فينبعث منها جسيمات دقيقة للغاية من أكسيد اليورانيوم السام والمشع مشكّلاً رذاذ ينتقل عدة كيلو مترات في الهواء ليستقر في كلى ورئتي الإنسان فإما أن يسبب الإصابة بالسرطان أو الفشل الكلوي أو التشوهات الخلقية والإعاقة للمواليد الجدد، وهذا ما أكدته المسوحات المختبرية الإشعاعية التي أجرتها منظمة الطاقة النووية العراقية عام 1993م بوجود نشاط إشعاعي في التربة ذو تركيزٍ عالٍ للراديوم 226 ونظير الثوريوم ـ234، ناهيك عن الوفيات الكبيرة بسرطان الدم بين الجنود الأوروبيين الذين خدموا في البلقان وحتى الأمراض التي رافقت عناصر قوات الناتو والصحافيين الذين شهدوا حرب 

الخليج. 

ولمن لا يعرف الكثير عن هذا المكوّن فإنه يعتبر عادماً لعمليات إنتاج اليورانيوم المخصّب من الطبيعي الذي يتكون من ثلاثة نظائر هي 234، 235، 238 وبما أن التخصيب يكون لرفع نسبة النظير 235 إلى نسبة 90% وتقليل نسبة النظير 238 للحد الأدنى، للاستخدام في المفاعلات النووية أو للسلاح العسكري، إذاً فاليورانيوم المنضّب له خواص اليورانيوم الطبيعي نفسها إلا أنه يحتوي على 60% من إشعاع الطبيعي، ونظراً لأن الأخير والناتج عنه يحتويان على النظائر الثلاث بنسب متفاوتة فهناك تشابه بالصفات الكيميائية بينهما.

على أي حال العالم على أبواب مأساة إنسانية جديدة الغرب وأميركا له الدور الأكبر فيها والدول العربية ستردد صداها لامحال.