الصوم.. تجارب الحضارات والأمم القديمة

ريبورتاج 2023/03/28
...

   علي غني 

فرض الله تعالى الصيام على جميع الأمم والأديان وكل  يصوم على طريقته الخاصة، فما هي الآلية المتبعة لدى الأديان والحضارات المختلفة التي يتبعها كل دين؟. 

يجيب الباحث الإسلامي الشيخ علاء  الفريجي بالقول: "تتفق جميع الشرائع السماوية على توحيد الله تعالى، وأنه فرد صمد، لم يلد ولم يولد، لكنها تختلف في بعض تفاصيل العبادات والتشريعات والمعاملات، ولا تلزم المشابهة في كل الأوامر والنواهي. وقد قال تعالى { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}. 

فالدين الصحيح هو  شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عنده تعالى، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله ودل عليه أولياءه، ولا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به.

 وتابع : ومما اتفقت عليه الشرائع السماوية كافة عبادة الصيام التي فرضها الله سبحانه على جميع خلقه من الأمم السابقة إلى أمة محمد (ص)، قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فقوله تعالى:{كتب} أي: فرض وأوجب.


الأمم الأخرى

وعرج  الشيخ علاء الفريجي على تعريف الصيام، وهو في اللغة: الإمساك عن الشيء مطلقاً، ومنه : صامت الريح : أمسكتْ عن الهبوب. وقوله تعالى {الذين من قبلكم} عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : أراد بالذين من قبلنا الأنبياء دون الأمم، فالصيام فريضة ربانية أوجبها الله سبحانه على عباده في كل زمان ومكان، من نوح عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد(ص)، إذ كان المسلمون في بداية الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان، وقد روي عن معاذ، وابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، وقتادة أن الصيام كان أولاً كما كان عليه الأمم قبلنا، من كل شهر ثلاثة أيام.  قال الضحاك بن مزاحم: (لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان).

وقال عباد بن منصور، عن الحسن البصري: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أيامًا معدوداتٍ}. فقال: نعم، والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت كما كتب علينا شهرًا كاملاً وأياماً معدودات.


الصيام الأكمل

نبي الله إبراهيم (ع ) كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وداود (ع) كان يصوم يوماً ويفطر آخر، ووصف صومه رسول الله (ص) بأنه أعدل الصيام ولا أفضل منه، وشريعة موسى (ع) كانت قد أمرت بصوم ثلاثة أيام في السنة، وفرض الله سبحانه على النصارى صيام شهر رمضان، فاشتد ذلك عليهم، لأنه ربما كان في الحر الشديد والبرد، فكان يضر بهم في أسفارهم ومعايشهم، واجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف، فجعلوه في الربيع. ومما يروى في كتب التفسير : (أنهم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين، ثم أن ملكاً لهم اشتكى فمرض فجعل الله عليه أن هو شفي من وجعه أن يزيد في صومه أسبوعاً فبرأ، فزاد فيه أسبوعاً ثم مات ذلك الملك، ووليهم آخر، فقال: أتموا خمسين يوماً فأتموها). وقد كان الأكل في ليالي الصوم مباحاً لأهل الكتاب ما لم يناموا، فإذا ناموا حرم عليهم، وكذلك كان في أول الإسلام حتى نزل قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}.

ويبقى الصيام في الشريعة الإسلامية الخاتمة هو الصيام الأكمل والأتم، وكما يتفاوت الصائمون في درجات ومراتب صيامهم، تأتي أمة محمد (ص) بالصيام في أعلى المراتب وأفضلها، ذلك أن المولى سبحانه وتعالى قد أكمل الدين وأتمه برسالة الإسلام، فقال :{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}. 


عادات مختلفة

رئيس قسم الأديان المقارنة في كلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد الدكتور عبد هادي القيسي قال: "إن الأمم السابقة تنقسم إلى قسمين، واحدة تؤمن بما يسمى بالديانات الوضعية وأخرى تؤمن بالسماوية، والقسم الأول يشمل الحضارات القديمة مثل حضارات بابل ومصر والهند وغيرها، أما الثاني فيضم الديانات السماوية: الإسلام والمسيحية واليهودية.

وتابع القيسي قائلاً: لقد كان الصوم في الحضارات القديمة مختلفاً، فالمصريون القدماء كانوا يصومون للنيل كونه مصدر الخير والعطاء، فصاموا أيام الحصاد، وهناك أيام أخرى مخصصة لعامة الشعب مدتها 3 أيام من كل شهر، مع وجود4 أخرى من كل سنة، وهناك صيام يقتضي تناول الخضر والماء فقط لمدة سبعين يوماً.

مضيفاً أما في الهند فكان الصيام يختلف في الديانة الهندوسية عن البوذية، فالهندوسية كان صيامها يختلف باختلاف الإله المتبع، ومن منطقة إلى أخرى، فالجنوب يصومون من شروق الشمس إلى غروبها ويسمح لهم بشرب السوائل، أما في شمال الهند، فالمسموح تناول الفاكهة والحليب فقط، في حين أتباع البوذية يعتمدون على الشهر القمري، إذ يصومون(4) أيام من بداية هذا الشهر، فيمتنعون عن العمل وأكل الطعام، وعند الغروب يتناولون الوجبة الغذائية.


طقوس التقشف

ويتحدث القيسي عن تجارب الأمم الأخرى في الصيام بالقول: "هناك اختلاف كبير بين أصحاب الديانات السماوية، فاليهود يصومون6 أيام طوال العام ويتبعون طقوس التقشف كالنوم على الأرض والامتناع عن الأكل والشرب، والجماع والتعطر وغسل الأسنان والعمل وارتداء الأحذية منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم الثاني، وتم إعفاء الأطفال والمرضى، فضلاً عن  الحوامل والمرضعات، وهناك أيام مهمة عندهم منها يوم الغفران يصومون فيه(25) ساعة و (9) آب ويوم(13) تشرين الثاني وغيرها، وهناك نوعان من الصيام، فردي ويسمى الاسر والثاني جماعي غير ثابت ويكون غالباً عند حدوث حزن عام.

 لافتاً إلى أنه في ما يخص الديانة المسيحية فلا توجد إشارة صريحة في الإنجيل إلى الصيام، ولكن التقاليد الكنسية تدعوهم إلى ذلك قبل (40) يوماً من عيد الفصح ثم زيدت لتصبح(7) أسابيع تسمى الصيام الأكبر، وتختلف كل كنيسة عن الأخرى في الممنوعات من الأكل والشرب، فالكنيسة الكاثوليكية تبدأ من منتصف الليل لحين انتصاف النهار ويمتنعون عن تناول اللحم والألبان والبيض والجبن والحليب والزبد يومي الأربعاء والجمعة.


شهر القرآن

وينوه القيسي إلى أن النصوص الإسلامية جاءت، لتؤكد أن الصيام الذي فرضه الله على المسلمين كان مفروضاً على الأمم السابقة، إذ قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، فالصوم في الإسلام يعد ركناً أساسياً من الأركان الخمسة ويكون في شهر رمضان من كل عام، وهو الامتناع عن الطعام والشراب وجميع الأفعال السيئة، بهدف التقرب إلى الله عز وجل وكسب الحسنات، فضلاً عن تطهير النفس من الذنوب وتقصيرها بحق خالقها، فشهر رمضان المبارك هو للعبادة والصلاة وتلاوة القرآن الكريم، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقد فرض هذا الشهر على المسلمين من السنة الثانية للهجرة، ومنذ ذلك الوقت يصومه المسلمون في كل عام، (فمن شهد منكم هذا الشهر فليصمه). 

وربما المعلومة التي زودنا بها الأستاذ في حوزة الجواد العلمية الشيخ ماجد الجبوري مثيرة للدهشة، عندما ذكر أن جميع الكتب السماوية(الخمسة) المذكورة بالقرآن نزلت في شهر رمضان الكريم، و يواصل الجبوري حديثه: "عن الإمام الصادق (ع) عن جده رسول الله محمد (ص) : لقد نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، فضلاً عن التوراة والزبور والإنجيل والقرآن الكريم".