طالب سعدون
رباعية، قد تبدو غريبة لا رابط بينها، لكنها حقيقة واقعة، وفي ترابط حياتي، فسلة العائلة مرتبطة بالموازنة، وهي من النفط الذي لا يستقر على سعر ثابت، فهو في صعود وهبوط ينعكس على برامج الحكومة والموازنة والسوق والاسرة..
فرغم ارتفاع سعر النفط، لكن التوقعات كانت تتفق على أنه حالة مؤقتة، لانه يرتبط بظروف عرضة للتغيير، وفعلا بدأنا نسمع عن تذبذب وانخفاض في سعر النفط، غير أنه هذه المرة له تأثير أكبر، لانه ترافق مع حالة التصحر والجفاف وقلة المياه مما سيكون له أثر كبير في زيادة نسبة الفقر والبطالة والهجرة من تلك المناطق، لتنافس مناطق أخرى على العمل فتكون عاملا مضافا للبطالة و(الأنانية المناطقية)، التي ترفض عمل الآخر من غيرها لديها.
لقد قدمت الموازنة على أساس سعر النفط (70 دولارا)، ومع ذلك فيها عجز كبير.. فهل لها أن تحقق برامجها اذا استمر سعر النفط بالانخفاض ، وكيف لها أن تؤمن حاجات اساسية، وفي المقدمة سلة الغذاء خاصة الشرائح الفقيرة ومن ليس عمل في الدولة يضمن له راتبا دائما.
النفط والموازنة والغذاء ثلاثية تعيد الذاكرة إلى الماضي البعيد، وبالذات إلى الخمسينات من القرن الماضي، الذي شهد أكبرموجة هجرة من الريف إلى المدينة ودورها في تفريغ الريف من سكانه، وخسارة العراق ثروة مادية كبيرة، كانت تقوم مقام النفط يومذاك، وتوفير غذاء الشعب، وتصدير ما يفيض منه.. ومع الزمن فقدت الزراعة دورها المؤثر، كونها (العلامة المميزة) للعراق آنذاك.. وأصبحت وزارتها تكلف الدولة أكثر من عائدها، والأرض لا تمت بصلة إلى تلك الأرض، التي كانت تسمى في التاريخ بأرض السواد، وتحولت إلى أرض بيضاء، والثروة الحيوانية وصلت إلى أدنى مستوياتها.
بحيث بدأنا نلمس ارتفاعا كبيرا في أسعار اللحوم والاسماك والدواجن، وغيرها من مفردات المائدة العراقية.
*فما هو وجه الشبه والمقاربة بين الهجرة من الريف إلى المدينة، والموازنة، والبيضة والدجاجة والنفط؟.
الجواب ببساطة أن الموازنات تعتمد على النفط الذي أصبح (يعيل) كل الوزارات، بما في ذلك ما يُصنف منها ضمن المؤسسات الانتاجية، كالزراعة والصناعة بينما كان يفترض ببعض المؤسسات أن (تعيل) البلاد، وتكون لها حصتها الواضحة فيه وفي الانفاق على مؤسسات أخرى.. وهذا يذكرنا بالهجرة من الريف، بعد أن ترك الفلاح أرضه (لأسباب قاهرة في حينه)، وسكن المدينة (رغما عنه)، و تحول إلى مشارك (لابنها)، وينافسه على البيضة والدجاجة واللحوم والخضراوات والخبز والرز، وغيرها، بعد أن كان هو نفسه ينتجها، ويصدرها إلى المدينة، وكانت تشكل له موردا مهما للاستهلاك والعيش والانفاق على حياته في كل مجالاتها، وبالتالي اضطرت البلاد إلى استيراد الكثير من تلك الحاجات لسد النقص الحاصل في الانتاج، يضاف إلى ذلك مشاركته لسكان المدينة في الحصول على الوظيفة، وفرصة العمل والسكن ومتطلباته، بعد أن كان يسكن في أرضه الزراعية مجانا، وقد ساهم ذلك في زيادة الكثافة السكانية في المدن، وتغيير طبيعتها، ناهيك عن تسبب الهجرة في تحويل الكثير من الاراضي الزراعية بمرور الزمن إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة، وذلك هو حال بعض المؤسسات بعد أن أصبحت تنافس وتشارك مؤسسات خدمية اخرى في عائد النفط ، بدل أن يكون لها نصيبها في دعمها، كما هو حال المدينة ، وكيف أصبحت بعد هجرة الريف اليها، وما كان لنا ان نشخص هذا المرض (الخبيث المستوطن ) وهو (داء النفط) في البلاد، لولا تراجع أسعار النفط في حالات كثيرة كان لها تأثيرها على الموازنات وما يقدم إلى البلاد والعباد من خدمات.
كانت النسبة الغالبة من الموازنات تذهب إلى (التشغيل)، لذلك تجد العجز في زيادة بسبب ضعف دور القطاع الخاص ووجود نسبة من الفساد، ليس في المال فقط، وانما في الادارة أيضا عندما لا يكون الانسان في مكانه المناسب، ويمنح وظيفة أو منصبا، ليس بسبب الاستحقاق الوظيفي، بل لاستحقاق سياسي وانتخابي، وبالتالي تكون عبئا على الموازنة وتاخذ من حصة مؤسسات اخرى مهمة.
وسؤال لم نجد له جوابا.. إذا كان النصيب الاوفر من الموازنة للتشغيل، أي للرواتب والأجور.. فأين هي حصة باقي المواطنين من النفط ، ممن لم يكن لهم نصيب في العمل بمؤسسات الدولة؟.
عسى ان يكون لدى الحكومة أوالبرلمان جواب بخطوات اصلاحية تحقق العدالة بتوزيع الموارد والعمل وتفعيل القطاع الخاص ليساهم في التنمية والعمل..وعندها يكون للاستثمار نصيبه الواضح في الموازنة جنبا إلى جنب مع النفط.