مجالس المحافظات.. العودة المثيرة للجدل

آراء 2023/03/30
...

 د. صادق كاظم


من الغريب أن تحاول الكتل السياسية اعادة اجراء انتخابات مجالس المحافظات من جديد رغم اعترافها سابقا بأنها قد كانت فاشلة لم تحقق ما كانت تريده البلاد منها، باعتبارها تجربة ادارية لا مركزية جديدة كانت تهدف إلى تطوير الواقع الخدمي لسكان المحافظات واعادة اعمارها وتنميتها، والتي كانت في الواقع نافذة للفساد المالي والاداري من قبل الكتل السياسية التي استحوذت على المقاعد الفائزة فيها

اذ تم إهدار مبالغ مالية كبيرة قد كانت مخصصة للإعمار والبناء والخدمات جرى تنفيذها والتخطيط لها بطريقة سيئة، بل إنه حتى المشاريع التي تبنتها تلك المجالس ثبت بعد انجازها بأنها قد كانت مشاريع فاشلة وغير مجدية وقسم كبير منها قد اندثر لاحقا. أسباب كثيرة أدت إلى فشل تجربة مجالس المحافظات وعدم نجاحها، والتي كان من بينها التدخلات الحزبية والسياسية في عملها، من خلال قيام الكتل السياسية بدفع اشخاص عديمي الكفاءة ليكونوا ممثلين عنها في تلك المجالس، التي تحولت إلى نافذة اقتصادية تحصل منها على العقود والمقاولات واحتكار المشاريع واخذ نسبة منها، مقابل غض النظر عن الخروق التي حصلت فيها، اضافة إلى التكاليف والرواتب والنفقات الباهظة لاعضائها، فضلا عن الصراعات والمناكفات بين اعضائها، وهو مما ادى إلى جعل هذه التجربة متعثرة وغير ناجحة، بل إنه يمكن القول انها كانت احد الاسباب الرئيسة وراء اندلاع التظاهرات الشعبية االاحتجاجية خلال تشرين الاول من العام 2019 والتي دفعت مجلس النواب بعدها إلى التصويت بالغائها وحلّها. 

إن التمسك بهذه التجربة والعودة اليها وإن جاء تحت شعار اعادة تقويم التجربة وإعطائها الفرصة للعمل في ظروف جديدة مغايرة، ووضع معايير للرقابة الصارمة على عملها وعمل المحافظين واعضاء المجالس فيها أمرٌ وإن كان يمثل اعترافا بالاخطاء السابقة التي رافقتها لكنه بحاجة إلى مراجعة واعادة نظر دقيقة وشاملة لها.

هناك تسرع قد حصل في اعادة تشريع القانون الذي تمت اعادة طرحه من جديد تحت قبة البرلمان، من خلال عدم اخذ راي التيارات المستقلة وقوى المجتمع المدني الاخرى والقوى السياسية الاخرى، وهو امر ليس صحيحا، فليس هناك من ضمانات حقيقية بان هذه المجالس المنتخبة ستكون قادرة على تخطي السلوكيات الحزبية السيئة التي رافقت أعمالها في السابق وكانت تقف بقوة وراء فشلها وسقوطها، اضافة إلى ذلك فإن العديد من النصوص التي وردت في قانون انتخاب المجالس الجديدة فيها مخالفات واضحة خصوصا تلك تدمج الانتخابات الخاصة بها مع قانون انتخابات مجلس النواب، واعتماد قاعدة سانت ليغو الرياضية المثيرة للجدل في احتساب عدد الاصوات والعودة إلى نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، وهي امور قد تم التراجع عنها في السابق فلماذا يتم تبنيها من جديد.

لا يوجد هناك اعتراض على عودة مجالس المحافظات لممارسة أعمالها من جديد، ولكن بشروط ومعايير جديدة تخضع اعمالها بموجب ذلك إلى الرقابة والشفافية مع منح الفرصة للمستقلين والكتل السياسية الصغيرة بالمنافسة والحصول على المقاعد من خلال استمرار العمل بقانون رقم 9 لسنة 2020، والذي أجريت انتخابات عام 2021 على ضوئه والذي تم فيه تقسيم المحافظات في البلاد إلى دوائر انتخابية متعددة، بحيث يكون هناك نائب في البرلمان لكل 100 ألف ناخب في الدائرة، فضلا عن انه يعمل بحسب نظام الدوائر المفتوحة، بحيث لا تستطيع التحالفات الكبيرة أو الأحزاب السياسية تحويل الأصوات من مرشح إلى آخر مع الاستمرار في اعتماد نظام العد الالكتروني، الذي يقطع الطريق على عمليات الغش والتزوير والتلاعب بالاصوات.

مناقشة هذا القانون ستاخذ وقتا قبل أن يتم الاتفاق على شكله النهائي، لكن الذي يهمنا كمواطنين أن تكون الاقتراحات والتعديلات ملبية لاحتياجات الشارع العراقي، وليس لصالح الكتل والأحزاب، وأن تكون هناك رقابة واضحة لاعمال هذه المجالس وسلوكيات أعضائها، وأن يكون هناك تواصل حقيقي بينها وبين المواطنين وأن يرافق عملها تطوير حقيقي لعمل مؤسسات الدولة، لكي لا تصاب هذه التجربة بالفشل مرة اخرى.