د.اسماعيل موسى حميدي
لمخيمات النزوح ذكريات مؤلمة في نفوس مئات آلاف العراقيين عبر أزمنة متعددة، وكان أسس لها النظام القمعي السابق الذي استهدف المواطنين على الهوية والموقف، فتسبب بتشريد الأسر أو نقلها قسريا من بيئتها الاصلية إلى مناطق نائية داخل البلاد، أو رمى بها على الحدود الدولية وما إن انتهى عهد ذلك النظام عام 2003 حتى تسبب بقاياها أو المعجبون بمنهجه، وتحت شعارات ورايات جديدة بموجات نزوح داخلي متتابعة عبر الاعمال الارهابية والاستهداف الطائفي والقتل على الهوية ومع ظهور تنظيم داعش الارهابي عام 2014 بدأت أبشع موجات النزوح والتهجير لمكونات عراقية كبيرة، وما يرافقها من حياة المخيمات البائسة والمؤلمة.
بعد تحقيق الانتصار العراقي الكبير على التنظيم الارهابي عام 2017 انتعشت الآمال بقرب عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية والحفاظ على تقاليدهم وهوياتهم الثقافية، وتجاوز المرحلة البائسة لحياة الخيام وانتظار المساعدات وكاميرات الفضائيات لعرض المعاناة وطلب العون والمساعدة، لكن الآمال تبددت بالنسبة لجزء مهم من النازحين، الذين يمثلون مكونات ثقافية ومجتمعية حساسة يرتبط وجودها بالبيئات الاصلية التاريخية الخاصة بها منذ آلاف السنين كالمسيحيين والايزيديين ومكونات أخرى، وكانت أسباب تبديد الآمال متشابكة، وبعضها معروف وبعضها الآخر يحتاج إلى مكاشفة وجرأة في الاعلان عن سبب الاخفاق في إنهاء النزوح الداخلي واعادة سكان المخيمات إلى بيوتهم بعدما تعهدت الجهات المختصة أكثر من مرة بحسم هذا الملف وإعادة جميع النازحين إلى بيوتهم.
إن استمرار وجود أعداد كبيرة من أبناء بعض المكونات العراقية في مخيمات النزوح الداخلي لسنوات طويلة، يمثل إساءة كبيرة لإنسانية وهوية هؤلاء النازحين ويشجعهم على الهجرة ومغادرة العراق إلى الأبد، وهو تهديد للتنوع الثقافي وإساءة للتعددية المجتمعية ويضع الدولة العراقية في حرج أمام مواطنيها وكذلك في المجتمع الدولي، ومجرد وجود مخيمات نزوح داخلي يمثل دليلا على وجود خلل وارتباك ومشاكل كبيرة في نظر المجتمعات الاخرى والشركات والمستثمرين، بل وعلامة على الفشل في الاداء والالتزام بالتعهدات الحكومية بإعادة النازحين واغلاق هذا الملف المؤلم.
زيارات رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد لمخيمات النازحين واجتماعاته مع الجهات العراقية والدولية المسؤولة عن ملف النزوح وتصريحاته وتوجيهاته الواضحة، بضرورة إنهاء هذا الملف المؤلم والمسيء للعراقيين بشكل عام وللنازحين خاصة، مثلت مبادرة مهمة لإعادة توجيه الأنظار الحكومية والشعبية وعلى الاعلام والجهات الرسمية وغير الرسمية المختصة بملف النزوح، استثمار هذه المبادرة لحشد الجهود اللازمة لإنقاذ النازحين والحفاظ على وجود وكرامة مكونات عراقية
اصيلة.