عشرون سنة والحلاج

آراء 2023/03/30
...

  نرمين المفتي 


يؤكد السياسيون العراقيون في حواراتهم بعد عشرين سنة عن الغزو بأنهم غير راضين عما آل اليه العراق، وبينهم من كان ضمن صفوف المعارضة وشارك في مؤتمراتها، خاصة (مؤتمر لندن 14 و15 كانون الاول 2002 ) 


ويعزون سبب هذا الوضع العراقي الموجع بكل معنى الكلمة إلى الاحتلال الامريكي البغيض!! والمعروف أن هذا المؤتمر الذي اشتركت فيه الاحزاب والشخصيات المعارضة، كان عن التحضير للمرحلة بعد اسقاط النظام، والذي دعا في بيانه الختامي “الأسرة الدولية لإسناد الشعب العراقي للتخلص من النظام الدكتاتوري القائم” ورفض “أي صيغة من صيغ الاحتلال أو الحكم العسكري المحلي أو الأجنبي أو الوصاية الخارجية أو التدخل الإقليمي”.. ويبدو أن البيان لم يكن كافيا لعدم تحويل عملية الغزو إلى احتلال، وكان لا بد من وجود ميثاق مكتوب تتعهد فيه الإدارة الامريكية متمثلة ببوش الابن بتنفيذ (الدعوة) وعدم احتلال العراق وكان الميثاق يكشف نوايا بوش امام العالم، وربما كان يرغمه بعد إعلان مجلس الأمن في ايار 2003 إن العراق تحت الاحتلال وعلى القوات المحتلة أن تلتزم باتفاقية جنيف التي تنص إن من واجب المحتل إعمار البلد الذي يحتله! واشار البيان الختامي ايضا إلى “ضرورة الإسراع بتصفية كل السياسات الطائفية وتحريمها”.. ويبدو أن التصفية كانت بالمحاصصة المقيتة وتحويل الشعب العراقي الثري بتنوعه الاثني والديني والمذهبي إلى مكونات، هذا المصطلح الذي يشكل أساس المحاصصة واستمرارها مع كل ما جلبته للعراق من فساد وقضايا عصية على الحل حتى الان.. وبرغم أن المؤتمر أقرّ في ختام اعماله لجنة سميت بـ(لجنة المتابعة والتنسيق) من 65 شخصية في البداية، ومن ثم اضيف اليها 10 اخرين يمثلون كل (المكونات) العراقية، إلا أن السياسيين الذين يتحدثون عن العقدين الماضيين، بأن لم تكن لديهم اية خطة ما بعد الاحتلال وبينهم من يقول بعد اسقاط النظام.. 

وكان اكثرهم صراحة د. حيدر العبادي الذي قال بكل صراحة بأنه “كان من المتوقع ان ينهض البلد نهضة اخرى”، وأشار إلى المحاصصة التي عُمقت بذريعة الحفاظ على المكون وحماية المكون، بينما هي “حماية الوضع الخاص للقائد السياسي الذي يأتي باشخاص يتصفون بالولاء له سواء من داخل حزبه أو عائلته”. وأضاف أنه حذر من هكذا محاصصة وبأن الناس ستثور في النهاية عندما تلمس عدم العدالة وتوفير الفرص لمن لا يستحقون وابعاد الذين يستحقون.. ولم يكن العبادي لوحده من يحذر، فقد كتبنا الكثير سواء في الصحف أو في المواقع الالكترونية، أن المحاصصة تعمق الطائفية وتزيد الفساد وان الشارع العراقي لن يسكت طويلا.. ولكن النخب السياسية تصر على العمل لاجل استمرارها فقط وكأن لا يوجد في العراق غيرهم وأسرهم والمقربون منهم.. 

شهد يوم 26 اذار مرور (11) قرنا على اغتيال الحلاج تقطيعا وهو حي واحراق جسده الميت المتقطع وذر رماده المتبقي في دجلة، لأنه طالب بالحق، ومنذئذ يستمر الحلاج في بغداد خاصة وفي كل العراق عامة، ويبدو أن رماده استقر في طين قاع دجلة ليمنح الارادة للمطالبة بالحق مهما كانت التضحيات، وإن كنت أتمنى أن تتوقف التضحيات التي كثرت جدا، وأن تستمع النخب السياسية إلى السياسيين الذين ينتمون اليها ويتحدثون بصراحة أن تعمل بهذه الصراحة أو أن تواجه نفسها بهذه الصراحة، وتقول إن عشرين سنة تكفي ولسنا بحاجة إلى عشرين سنة 

اخرى..