نازك بدير*
استقبلت بعض الدول العربيّة شهر رمضان هذا العام وأعداد كبيرة من العائلات في عداد الصائمين قبل أشهر من رؤية الهلال؛ كثير من المسلمين والمسيحيين دخلوا في”صوم قاطع” لا أحد يعرف متى ينتهي بفعل الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، وتخطّي سعر صرْف الدولار 145 ليرة لبنانيّة منذ عدّة أيّام قبل أن يهبط مجدّدًا، واعتماد منصّة صيرفة تسعيرة 90 ألف ليرة، ما ينعكس سلبًا على الرواتب التي تتآكل قيمتها يوميًّا. في الوقت الذي تتابع أسعار السلع ارتفاعها، وتتراجع القدرة الاستهلاكيّة للمواطن، ويرتفع الطلب على الحاجات الغذائيّة المتنوّعة أثناء الصيام. في خضمّ ذلك كلّه، وبدلًا من أن تجتمع الحكومة بشكل طارئ لإيجاد مخارج لما يعانيه الشعب، تجدها ترمي المزيد من القشور لصرْف الناس عن المشكلات الأساسيّة.
الصوم في الأصل هو تهذيب للنفس، وتدريب لها وفرصة لتعزيز المساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وجنسيّاتهم. هذه العبادة يفترض أن تساعد النفس على التطهّر من شهواتها، لكن المفارقة في بلد يعيش أسوأ أزمة ماليّة في العالم، ويرزح 80% من السكان تحت خط الفقر، والحدّ الأدنى للأجور بات يقارب الأربعين دولارًا؛ أمام هذا المشهد، يستورد أحد رجالات الدولة 25 كيلو من لحوم” واغيو” اليابانيّة، وبلغت تكلفة الشحنة 40 ألف دولار! هكذا تكون الترجمة الحقيقيّة للمساواة والتكافل بين المسؤول والشعب في دولة” التوقيت الصيفي” و”التوقيت الشتوي”!
في المقابل، ثمّة مبادرات اجتماعيّة تستحق تسليط الضوء عليها، تعمل على تعزيز أجواء المحبّة والأخوّة والتسامح ومساعدة المحتاج” ولو بشقّ تمرة”. هذه المبادرات تتمّ بجهود فرديّة، غير مدعومة من جهات رسميّة تُسهم، على مدار العام، في تكريس التكافل والتعاون، من دون تمييز بين دين وآخر، أو طائفة وأخرى، وتحاول جاهدة سدّ الكثير من الثغرات حيث تقصّر وزارة الشؤون الاجتماعيّة ووزارة الصحّة، وغيرهما من الوزارات المعنيّة، وتلبّي احتياجات الأسر المتعفّفة والفقيرة.
في هذا الشهر، كما في كلّ يوم، يجد الإنسان نفسه أمام اختبارات عديدة، إنّه في حالة جهاد مع نفسه، ولعلّ هذه هي معركته الحقيقيّة حيث يواجه ذاته، ويتحدّاها. شهر رمضان هو فرصة ذهبيّة لمراجعة الذات ومحاسبتها وتصويب علاقتنا مع الله، ومع النفس، ومع الآخر. هو زمن ترميم الجسور بين الأهل، والأحبّة، وتمتين روابط الوحدة بين الدول.
كاتبة لبنانيّة