يوسف والذئب

الصفحة الاخيرة 2023/03/30
...

حسن العاني

لا أدري ماذا أسمي بعض شخصيات المجتمع التي تتمتع بالكثير من الفنطازية والغرابة، سوى أنها (متميزة)، وتميزها في العادة يرتبط بنوع من التصرف أو السلوك لا تستطيع إلا أن تحبه وتنحاز إليه، لكونه قائماً على قدر كبير من الذكاء والمرح والفطنة، وقبل ذلك سرعة البديهة في ابتداع الموقف وابتكار القرار. ربما لهذه الأسباب كنا نعشق صديقنا (حميد اللامي) الذي أنهى دراسته الجامعية في منتصف العقد الستيني من القرن الماضي، وعمل موظفاً في وزارة التربية، وكان اليوم الذي يتخلف فيه عن حضور المقهى، يعد من الأيام الباهتة، لأن الرجل كان يملأ المكان حيوية وفاعلية بحكم كونه شاباً مثقفاً وقارئاً جيداً ومتابعاً لكل جديد في ميادين العلوم والآداب والفكر والسياسة، ولكنه مولع إلى حد الهوس بإثارة نوع من الأسئلة أو الطروحات التي يختلط فيها الجد بالهزل، وغير هذا وذاك فقد اجتمعت في شخصيته روح المشاكسة والمناكدة والدفاع عن الشيء وضده بالحماسة نفسها، ولا ينشد صديقنا من وراء ذلك أكثر من إمتاع نفسه وإمتاع الآخرين .

قبل 4 أشهر تقريباً كنا نتحدث عن البلدان التي احتلت العراق ابتداء من العثمانيين وانتهاء بالأميركان. وما كدنا ننتهي حتى وجه اللامي لنا سؤالاً شديد الغرابة [من هو البلد الذي يفكر باحتلال العراق في الوقت الحاضر؟!] وكان من الطبيعي أن نذكر أسماء دول عظمى كالصين، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا.. الخ، وفجأة طلب منا السكوت بإشارة من يده وقال [الكويت هي البلد الوحيد المرشح لاحتلال العراق]، وضحكنا بأعلى أصواتنا.. وهو الوحيد الذي لم يضحك!.

يحضرني أن حواراً دار بيننا حول حجم الاخفاقات، وخاصة في مجال الخدمات واتفقنا على أن وصول عناصر غير كفوءة إلى موقع المسؤولية هو السبب الأهم، ولكن صديقنا اللامي هو الوحيد الذي خرج على الإجماع وما اتفقنا عليه وقال [هذا غير صحيح، لأن من يتحمل الاخفاق هم العناصر الكفوءة في مواقع المسؤولية، لأنها لم تأخذ دورها المطلوب، ورفعت الراية البيضاء، والحكمة القديمة تقول: ارشدوا الجاهل وحاسبوا العالم!]، وقد أثار رأيه الغريب زوبعة محتدمة من النقاش، حتى أن بعضنا غير موقفه وألقى باللائمة على المخلصين والكفوئين!.

في اليوم الثاني مباشرة تجدد الحوار حول الموضوع نفسه، وخرجنا بما يشبه الإجماع على أن أصحاب الكفاءات هم من يقفون وراء الاخفاقات، ولكن صديقنا اعترض بشدة وقال [أنتم تفكرون وتتصرفون مثل النعامة بحيث تنسون أو تتناسون أن القرار لا يمتلكه أصحاب الكفاءات] وأثار من جديد زوبعة من النقاش!

ولعل أطرف ما أذكره عن صديقنا، أن حديثاً جرى بيننا حول قصة النبي يوسف (ع) وفجأة قطع اللامي حديثنا بسؤال غريب جداً [هل الذنب الذي أكل يوسف ذكر أو أنثى؟!]، ضحكنا وقلنا له: الذئب لم يأكل يوسف، ولكنه عاد يسأل: الذئب الذي لم يأكل يوسف هل هو ذكر أو أنثى؟! الحقيقة لم نستطع التوصل إلى إجابة مقنعة!.