شعوب بين نارين

الثانية والثالثة 2019/04/16
...

سالم مشكور
 

ما حدث في السودان وقبله بأيام في الجزائر، لا ينفصل عما شهدته دول عربية منذ 2010 وحتى اليوم.
العراق سبقهم بسبع سنوات لكن باختلاف واضح هو أن إسقاط النظام في العراق تم باحتلال خارجي مباشر بعدما حالت درجة وحشية ذلك النظام دون تغييره بتحريك الشعب ضده، وهو ما تم في دول أخرى لاحقاً تحت اسم “الربيع العربي”.
القاسم المشترك هو وجود أنظمة فردية أو عائلية مستبدة وشعوب ضاقت ذرعاً بسياسات هذه الأنظمة.
كل ما تم هو سحب اليد عن الأنظمة وتشجيع الشارع في هذه الدول على الثورة إما بشرارة تشعل الثورة الشعبية أو بافتعال تظاهرات وتضخيمها من قبل محطات تلفزيونية مكلفة بالأمر. 
يرافق ذلك اغداق المليارات العربية بتوجيه خارجي، لتسليح أو تمويل مجموعات داخلية تدخل هذه الدول في دوامة صراعات بينية طويلة تنتهي بهذه الدول الى التفتيت.
ليس مهما أن تزول الأنظمة بل تبقى لكن هدف التمزيق يكون قد تحقق وهذا هو المطلوب.
المشهد هنا يسبب الكثير من الحرج عند التقييم. 
هذا الحرج مررنا به عند اندلاع الاحتجاجات الشعبية في هذه الدول.
من جانب فإن هذه الشعوب محقة في مطالبتها بالديمقراطية وانهاء احتكار السلطة، والمطالبة بالعيش الرغيد، خصوصا في دول تملك الثروات الهائلة لكنها تتبدد بفعل فساد عائلة أو فرد أو في حماقات الحروب العبثية، ومن جانب آخر فان مفارقة أن تكون أغلب هذه الأنظمة مدعومة أو صنيعة قوى عالمية كبرى هي التي تدعم الاحتجاج الشعبي، أمر يبعث على القلق من مستقبل ما يجري.
مررنا نحن بهذا الحرج قبل 2003.
وصلنا حد الاختناق من ذلك النظام ووحشيته وحماقاته، ولم يكن بإمكاننا الركون الى تحذيرات من كانوا يتخوفون مما بعد الإطاحة بالنظام أو ممن كانوا يتحدثون عن مؤامرة لتدمير العراق.
كانت يدنا في النار فيما نرى أيدي المحذرين لنا من الخارج في الماء.
كنا نقول: الفوضى ولا استمرار الوضع الخانق آنذاك.
بعض المقربين من صدام حسين اعترفوا فيما بعد ان عناده قاد العراق الى هذا 
الوضع.
في دول عربية أخرى تكرر السيناريو نفسه، رفض الرؤساء الاستجابة للرغبات الشعبية البسيطة، فساعدوا على تنفيذ ما جرى تخطيطه.
حركات مسلحة مدعومة من قوى إقليمية ودولية، وخراب وتقسيم وضياع سيادة.
هذا هو واقع ليبيا وسوريا واليمن وغيرها، ويبدو أن السودان والجزائر تسيران على الطريق نفسه.
قبل سنوات تابعت محاضرة لباحث إسرائيلي يتحدث فيها عن أن “إشغال دول المنطقة بحروب داخلية هو أفضل ضمانة لأمن واستقرار إسرائيل»..