د. محمد وليد صالح
الصمود في وجه عاصفة التغيير المناخي، وما بعد النفط احتياجات العراق من الطاقة، وعوامل تحسين بيئة الاستثمار والحوكمة ومكافحة الفساد، وحرية التعبير ودور وسائط التواصل الاجتماعي، والنظام المصرفي بعد عقدين من الزمن على تغيير النظام السياسي في العراق، كان لقاء بين نخبة من المفكرين وصنّاع الرأي والقرار في حوار بغداد الدولي بنسخته الخامسة، سعياً لوضع الحلول الناجعة والمناسبة لاهتزاز الوضع العالمي وتطوره في ضوء التحوّلات الإقليمية وأثر أمن الطاقة في مستقبل النظام الدولي.
إن بناء الدولة هو النقيض لتحجيمها وتقليص قدراتها، تعد غايات تقوية المؤسسات القائمة وبناء جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي، الأمر الذي يُحيل إلى عملية بناء أجهزتها وفق أطر قانونية منبثقة من الواقع، فضلاً عن القيام بالوظائف التطورية للنظام المؤسساتي من تغلغل وتكامل وولاء والتزام ومشاركة وتوزيع، وتجسير الفجوة بين الحاكم والمحكومين، وصولاً إلى تحقيق الاستقرار السياسي بحسب فرانسيس فوكوياما.
أما كارل دويتش فينظر إلى الأنموذج الاتصالي في كتاب (عصب الحكومة) عملية بناء الدولة، بوصفها اتصالية مركزها بناء الثقة في تدفق المعلومات ونقلها من القمة إلى القاعدة والعكس، وهي قرار ونظام ضبط يعتمد على تبادل الرسائل في الشؤون الداخلية والخارجية للدولة.
فالحراك الحكومي والدبلوماسي العراقي هدفا إلى تقريب وجهات النظر بين دول عدة ومنها السعودية وايران من جانب، ومصر وتركيا وقطر من جانب آخر، فتح قنوات حوار ستراتيجي بجولات متعددة لرسم شكل العَلاقات وإعادة الأمور وترطيب أجواء الحديث بين هذه الأطراف في خضم هذه التحوّلات الجيوسياسية والإقليمية وتأثيراتها الجارية في النظام العالمي، فضلاً عن جهود العراق بتقديم ورقته المؤثرة في هذا المضمار.
وبعد استكشاف مسارات انسجامه الداخلي والخارجي وهندستها في البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإعلامية لإيجاد حالة الثقة بين المواطن وحكومته لتلبية احتياجاته بواسطة موازنات مالية سنوية ثلاثية، لمواجهة تحديات الفقر والبطالة وتذبذب مستوى المشاريع الخدمية يقابلها نظام سياسي مستقر، وفق برنامج الحكومة السادسة ومنهجها لاستدامة التنمية والشراكات والمصالح المشتركة مع دول الجوار والشرق الأوسط والعالم، ضمن خطة معالجة شح المياه والتلوث البيئي ومشكلات
التصحر.
فاستقلالية العراق والمحافظة عليها بوصفه بلداً فاعلاً إقليمياً تجعله قبلة للاستثمار الاقتصادي العالمي، وممارسة العَلاقات العامة الدولية الهادفة عبر محتواها الاتصالي، لتحقيق مبدأ الثقة المتبادلة، لتأكيد موقف البلد المتوازن في اتفاقياته وتعاملاته وهي وسيلة تأثير ذات خصوصية عالية والتطلع إلى آفاق المستقبل، فضلاً عن التعرف على طبيعة العَلاقات الثنائية بين روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا وتحليل السياسات بين القوى العالمية الصاعدة الجديدة ومواقفها، تجاه أزمات دول المنطقة وصراعاتها، مع بروز التحالفات وتوضيح الصورة
الإجمالية.
من هذا يتوجب العمل على إحداث التحوّل لإرساء دولة ذات مسؤوليات تنموية، بواسطة ستراتيجيات متعددة ترتكز على عناصر استقرار متعددة الجنسيات لتكامل ملف الاقتصاد والاستثمار، فالمصالح المشتركة بين العراق وجيرانه تناسب منظومة العَلاقات الدولية المتطورة، من أجل انهاء حالة القطيعة وتسوية الخلافات لبدء مرحلة جديدة مبينة على التفاهم والتعاون المتبادل في المجالات كافة، فضلاً عن ايصال رسائل الحكومة لكسب ثقة أعضاء المجتمع الدولي بموقف العراق المتوازن في اتفاقياته وتعاملاته لخدمة شعوب المنطقة، بعيداً عن التدخل في شؤونهم ومسائلهم أو تصعيد الصراع والتسبب به، أو حمل السلاح بوجه جيرانه الآخرين، وإنما يعمل على تعزيز علاقاته مع محيطه العربي والإقليمي والدولي.