د. حامد رحيم
يقدم أهل الاختصاص في العلوم الاقتصادية نصائحهم للمستثمر، من اجل خفض مستويات المخاطر المرافقة للعملية الاستثمارية عبر الارشاد نحو (تنويع المحفظة الاستثمارية)، لتشمل مجوعة أصول وكف الاعتماد على أصل واحد، فالتقلبات الحاصل في العوائد تقود إلى مخاطر كبيرة لذلك السلة المتعددة تساعد على تسوية العوائد بالشكل، الذي يضمن إلى حد كبير تجنب الخسائر المتوقعة، مثلا عندما تكون المحفظة حاوية على اصول عقارية واسهم وسندات وايداعات مصرفية، تختلف كثيرا من تلك المحفظة الحاوية على اصل عقاري فقط، هذا على مستوى الاقتصاد الجزئي (micro).
وبالمبدأ ذاته فإن النشاط الاقتصادي داخل الدولة يخضع للقانون نفسه، فالفرق واضح بين نشاط يعتمد بشكل كبير على مورد اقتصادي واحد واخر يعتمد على سلة متعددة الموارد تحول إلى أصول مدرة للدخل، وهذا على مستوى الاقتصاد الكلي (macro).
العراق يعتمد بشكل أساس على النفط مورداً، دون أن توجد قطاعات أخرى تسهم بشكل فاعل في خارطة الناتج المحلي، وهذا ما عكسته الاحداث الاقتصادية إلى الآن، فالمخاطر كبيرة والحديث بين الحين والاخر عن قدرة الحكومة على الايفاء بالرواتب عند حدوث أي أزمة تمس اسعار النفط مما يدل على عدم وجود حصون تمنح النشاط الاقتصادي القدرة على مواجهة الازمات، وهذا نقيض التوجهات التنموية المغيبة قسرا عن واقعنا الاقتصادي. بلدنا زاخر بالموارد منها الاستخراجية كالغاز والفوسفات والكبريت وغيرها، ناهيك عن الزراعة والقدرات التصنيعية والسياحة وغيرها، إلا أنها موارد معطلة في اغلبها لم تحول إلى اصول مدرة للدخل وهذا يفسره غياب (الارادة) لتحقيق التنويع في النشاط الاقتصادي، ما جعل العراق يعتمد بشكل غريب وغير مبرر على الشريك التجاري، وهذا جعل الاقتصاد منكشفا وتابعا في أمنه الغذائي والستراتيجي بشكل عام إلى الخارج، وهذا نتيجة الأداء السياسي المربك بشكل عام.
إن معوقات التحول نحو التنويع في النشاط، التي لم نرَ لها حلولاً حقيقية عبر العشرين عاما الماضية، تكمن في مجموعة عوامل، منها الفشل المؤسساتي الذي يرعى عملية ولادة ونمو القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل، فلا الوزارات المعنية بهذه الملفات لها دور صحيح في ذلك ولا المؤسسات الساندة لها كالمنشأت الاقتصادية الخاصة، والمتغير المهم في عملية التحول التنموي وهو (راس المال البشري)، فالعراق يمر بأسوأ أوضاعه من هذا الجانب، إذ إن التعليم الاولي خارج معايير الجودة، مما رفع مستويات الأمية الأبجدية، ناهيك عن أن جامعاتنا (كم بلا نوع)، وهذا ما عكسته تصنيفات جامعاتنا الحكومية المتواضعة جدا في التصنيفات العالمية، مما وسع ظاهرة الامية العلمية، إضافة إلى ضمور التعليم المهني الرافد الحقيقي للعمالة الماهرة، كما أن طبيعة السياسات الكلية النقدية منها والمالية، بالإضافة للتجارية فدورها محجم بشكل كبير للنهضة في القطاعات الاقتصادية المشار اليها، بل أغلب أثرها كان لصالح تفعيل (المضاعف والمعجل)، لصالح الشريك التجاري الخارجي فالسياسية النقدية وسياسات الدولار (الرخيص)، الذي جعل دورة راس المال بلا جدوى تنموية، فالدولار الداخل عبر مبيعات النفط يخرج من جديد لصالح الواردات الاجنبية السلعية والخدمية، وإن كان لها اثر في السيطرة على التضخم، لكن الكلفة عالية من جانب الهدر التنموي، والسياسة المالية التي ركزت في انفاقها على الجوانب التشغيلية باعتبارها جزءا مهما من مكونات الطلب الكلي، ما حقق نموا في الطلب على المنتج الاجنبي، وهذا ما قاد إلى تسرب العملة الاجنبية لصالح الخارج ونسف مبدأ التراكم الرسمالي الركيزة التنموية الاهم، وكل ذلك برعاية سياسية تجارية عرجاء، تقوم على حفز الواردات على حساب تنويع النشاط الاقتصادي وعلى مدار السنوات الماضية، مع كل ذلك غاب دور القطاع الخاص الانتاجي بشكل كبير.
ولا يخفى دور (الفساد) عبر الحدود السائبة والفواتير المزورة وغسيل الاموال والتهريب وغيرها الذي بات علامة فارقة ميزت هذه الحقبة الزمنية من حكم العراق.ناهيك عن دور العامل السياسي، الذي تمحور باتجاه استخدام موارد الدولة لصناعة جمهور (زبائني)، لخدمة اجندات حزبية ضيقة على حساب دعم النشاط الاقتصادي، فالحلول السهلة مثل توزيع المنح والاعانات وزيادة الرواتب والمخصصات والتوسعة، باستقطاب العمالة إلى القطاعات الحكومية على حساب مزاحمة النشاط الاقتصادي الانتاجي، تعد عواملَ مثبطة لنمو القطاعات الانتاجية المشار اليها انفا.
النتيجة نحن بحاجة إلى ارادة سياسية على النقيض مما يحصل، تقود إلى تنويع النشاط الاقتصاد، فالموارد والميزات النسبية والفرص موجودة وبوفرة، لكن تنقصها الارادة السياسية لتحقيق حلم التنويع في النشاط الذي ما زال (مغيبا قسراً).