أحمد حسين
أمرٌ جيدٌ وضروري تكريم أصحاب الإنجازات حتى وإن كان ما حققوه ليس بالإنجاز الكبير، فالتكريم لا تكمن أهميته في قيمته المادية مهما كانت كبيرة، بل هو محفز معنوي مهم جداً.
وهو بمثابة رسالة من الدولة أو الحكومة أو المسؤول لصاحب الإنجاز لإخباره أن بلده يوليه اهتماماً، كما أنه في الوقت نفسه محفزٌ له ليحقق إنجازاً أكبر وأهم مستقبلاً.
إن التكريم المبالغ به بشكل استفزازي للمنتخب العراقي لكرة القدم بعد فوزه بكأس خليجي25، ورغم أهمية الإنجاز المتحقق، لكن لا يستدعي الأمر كل هذا الكرم الحاتمي، مبالغ مالية كبيرة، قطع أراضٍ سكنية، سيارات حديثة باهظة الثمن، جوازات سفر دبلوماسية، هدايا معنوية، سواء من رئيس الحكومة أو الجهات الأخرى التي كرمت لاعبي
المنتخب.
وتكرر الأمر مع منتخب شباب العراق الذي حلّ بالمركز الثاني في بطولة كأس آسيا للشباب التي انتهت مؤخراً، أيضاً قطع أراضٍ سكنية و500 ألف دينار شهرياً!.
إن إلحاح الاتحاد العراقي لكرة القدم على تكريم لاعبي المنتخب العراقي والتجوال بهم على المسؤولين والسياسيين، وضع الحكومة في حرج -على ما أظن-، إذ بات رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني ملزماً بتكريم كل من يحقق أي إنجاز رياضي وغير رياضي، فإن لم يفعل سيتم اتهامه بالمحاباة والتفريق بين فئات الشعب. أنا لست ضد التكريم، بل إنني من المؤمنين أنه وسيلة مهمة لرفع وتيرة العمل والإنجازات، لكن يجب أن يكون محسوباً ووفق معايير وسقوف محدودة، فهذه الأموال لا يتبرع بها المسؤول الحكومي من جيبه الخاص بل هي أموال الدولة، والدولة متمثلة بالحكومة مسؤولة وملزمة بتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين دون تمييز.
يا رئيس الوزراء هذه أموالنا وأنت مؤتمن عليها وأنك تصرّ على أن تبقى أميناً، ما يجعلني أخصك بهذا الكلام هو لأنني واثق أن يداك لم تتلوث بالفساد والسحت لهذا أخاطبك، ولو كان لدي أدنى شك في تورطك بأي صفقة فساد لما خاطبتك.
يا رئيس الوزراء لاعبونا ليسوا بحاجة للأراضي السكنية ولا المكرمات المالية، فجميعهم لديهم عقود دسمة مع الأندية العراقية والعربية، ورواتبهم الشهرية من هذه العقود تكاد تكون الأعلى في العراق - طبعاً باستثناء رواتب الوزراء والمسؤولين- وكان الأولى أن تذهب الأراضي التي خصصت لهم والمكافآت إلى أناس سقوفهم من الخشب البالي والجينكو، النصف مليون شهرياً التي ستذهب للاعب أقل ما يتقاضاه شهرياً من ناديه لا يقل عن خمسة ملايين دينار، كان الأجدر شطر هذه الخمسمئة ألف دينار إلى نصفين وتقديمها لأسر لا تتحصل شهرياً على ربع مليون دينار. يا رئيس الوزراء بعض لاعبي منتخب الشباب مغتربون في أوروبا، ويلعبون في أندية أوروبية بعقود مالية مجزية والنصف مليون دينار في بلدانهم يعادل 300 دولار وهو مبلغ زهيد بالنسبة
لهم.
المكرمات هذه تستفز المتقاعد، الذي قضى زهرة شبابه في دوائر الدولة، وحين بلغ السن القانونية حصل على راتب تقاعدي بائس لا يتجاوز 400 ألف دينار لأن حظه العاثر ساقه إلى وزارة رواتبها متدنية، بينما المنتخب الذي "خسر" مباراة مصيرية لم تدم ساعتين تتم مكافأة لاعبيه ولأجل غير مسمى براتب أعلى ممن قضى أكثر من 30 عاماً يخدم البلد.
أتمنى يا رئيس الوزراء أن تدير أموال الدولة بما يخدم الفئات المسحوقة التي أعلم أنك متعاطف معها وليس خدمة للمرفهين، صُدمنا بمن قبلك فأرجوك لا تصدمنا أنت أيضاً، فالكثير منا يعولون عليك،
لا تخذلهم.