محمد صالح صدقيان
أصبح من الواضح أن وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان والسعودي فيصل بن فرحان سيلتقيان خلال شهر رمضان المبارك، استنادا إلی تفاهم بكين الذي حصل بين مستشاري الامن القومي في كلا البلدين. هذا الاعلان تم بعد ثلاثة اتصالات هاتفية جرت بين الوزيرين خلال الاسبوع الماضي، من أجل البدء بعمليات استئناف العلاقات الدبلوماسية، كما دعا الاتفاق.
وبعد أن أعلنت طهران استلامها دعوة سعودية لزيارة الرئيس ابراهيم رئيسي الرياض قال عبد اللهيان ان بلاده سترسل دعوة مماثلة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة طهران.
المتابعون لهذه الاجواء يرون فيها أجواء ايجابية؛ لكن السؤال الاهم الی اين تسير العلاقات السعودية الايرانية التي لم تستقر علی حال منذ تاسيس الجمهورية الاسلامية عام 1979 ولحد الان. الكل تفاءل باتفاق البلدين علی عودة العلاقات الدبلوماسية، ايمانا منهم ان هذه العودة سوف تنعكس علی جميع الملفات الشرق الاوسطية ولربما علی ملفات خارج الإقليم، علی اعتبار أن البلدين يمتلكان بموقع جيو سياسي مهم ليس علی صعيد الإقليم فحسب وانما علی التطورات الدولية.
من الصعوبة بمكان الاعتقاد أن العلاقات السعودية الايرانية تسير علی السجادة الحمراء، دون عوائق أو مشكلات، سواء كانت داخلية أو خارجية.
ومن ينظر إلی هذه العلاقات بالمزيد من التفاؤل، فانه لا يأخذ بنظر الاعتبار الثوابت السياسية والامنية لدی البلدين.
فطهران تملك تعريفا واضحا لأمنها القومي الذي يمتد الی شواطئ المتوسط شرقا والی مضيق باب المندب ومضيق هرمز جنوبا ؛ ولديها اصدقاء لا تسمح – كما قال المرشد الاعلی – بتضعيفهم أو التاثير علی وضعهم السياسي والامني ؛ بينما تملك الرياض تعريفا ىخر لأمنها القومي يستند إلی علاقاتها التاريخية مع اصدقائها في المنطقة العربية والاسلامية، حيث تری أن ايران اقتحمت مجالها الحيوي في المنطقة العربية وبذلك اخلت بتوازن القوی في الاقليم.
وتعتقد ايضا أن أصدقاءها "يمتلكون الشرعية" بينما أصدقاء ايران لا يمتلكون مثل هذه الشرعية، وهم ليسوا اكثر من مليشيات مدعومة بالسلاح اخذت علی عاتقها مهمة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة لصالح المصالح الايرانية.
وامام ذلك كيف يمكن للبلدين النظر الی مصالح وثوابت الجانب الاخر؛ وهل يمكن تجاوز هذه التقاطعات؛ وكيف ؟
وماهي مآلات التفاهمات التي حصلت أو التي قد تحصل بين البلدين؟
هناك مساران في النظر للعلاقات السعودية الايرانية المستقبلية. المسار الاول متفائل؛ والاخر متشائم. فالمتفائل يريد "حرق المراحل"، وصولا لفتح السفارات باي ظرف كان لتحقيق انجاز، مهما كان حجمه ظنا منه أن هذا الانجاز كفيلٌ بترطيب المواقف وتحسين الاجواء وازالة المخاوف وتعزيز الثقة؛ بينما المسار المتشائم يعتقد أن ما بين البلدين ابعد من فتح السفارات، وأن ثوابت البلدين لا يمكن حلها بفتح سفارة هنا أو قنصلية هناك. وأن جميع الجهود التي تبذل سوف تقف عند مستوی فتح السفارات، دون ان تشهد تطورات مهمة تؤثر في مواقف البلدين.
يبدو لي اننا يجب ان نكون اكثر واقعية في النظر للعلاقة السعودية الايرانية؛ فكلا المسارين يمتلكان عناصر موضوعية في تقييم هذه العلاقة، لكن المهم توفر"عوامل قوة" من أجل دعم خطوة الاتفاق، ليكون بيئة حاضنة ايجابية علی صعيد العلاقة الثنائية. الاقتناع بفتح ابواب السفارات، لن يغير من الوضع شيئا اللهم إلا علی صعيد تسهيل إعطاء التاشيرات لموسم الحج! لكننا نتحدث عن تعاون وتنسيق وفك اشتباك وصياغة علاقات جديدة، تستند إلی تعزيز الثقة وصولا الی منطقة يسودها الامن والامان، لتنعم بثرواتها وخيراتها في التنمية والرقي.
من "عوامل القوة"، التي تستطيع دعم الاتفاق والتوصل لتفاهمات تصب بمصلحة البلدين وبقية الاطراف المعنية توفر الارادة السياسية لدی قادة البلدين، بحل الاشكالات والاتفاق علی الحد الادنی من المشتركات، وصولا الی درجات اعلی من التنسيق والتعاون في المجالات المختلفة.
التفكير بإطار أمني "سعودي – ايراني" أو "خليجي – ايراني" يدخل في اطار "عوامل القوة"، ويصب بمصلحة ترسيخ ودعم الثقة بين الجانبين.
ومن "عوامل القوة" الاخری التي يجب توفرها هي النظرة بواقعية سياسية للتطورات الاقليمية والدولية. موسكو طرحت الاسبوع الماضي عقيدتها السياسية الجديدة حيال التطورات الدولية في الوقت الذي يتم الحديث عن نظام عالمي جديد؛ والجميع يتحدث عن قواعد اشتباك جديدة في المنطقة والعالم؛ ودول الاقليم يجب ألا تكون بعيدة عن هذه التطورات سواء في المنهج أو الميدان.
إن توفر هذه العوامل وغيرها مع الايمان الكامل بثقافة الحوار وطاولة المباحثات كفيل بتعزيز الثقة، التي تحتاجها ليس ايران والسعودية فحسب، وانما الخليجي الايراني بشكل عام.
ولنا في هذا المجال تتمة.