سالم مشكور
رقم صادم كشفه رئيس مجلس الأعمال العراقي في عمان.
أكثر من ستين مليار دولار حجم الاستثمارات العراقية في الأردن.
لنتصور لو أن نصف هذه الأموال كانت استثمارات داخل العراق، فكيف سيكون الوضع الاقتصادي؟، وكم عراقيا كان سيعمل في هذه المشاريع، وكم كانت ستدرّ على الاقتصاد العراقي من عائدات مباشرة أو غير مباشرة؟.
شخصيّا، أعرف مستثمراً أراد تأسيس معمل عملاق بتقنيات حديثة لإنتاج إطارات السيارات.
دخل دوامة التراخيص والأرض والموافقات والعراقيل المفتعلة في طريقة من موظفي الدوائر المعنية، حتى وصل مرحلة اليأس، فاكتفى بما تكبدّه من رسوم ونفقات و»عطايا» لهذا وذاك، واتجه صوب الأردن وأسس معمله بمئات العمال والموظفين الأردنيين، وبدأ ينتج ويصدر بضاعته الى العراق على أنها إنتاج أردني معفى من الضرائب، وفق الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.
كم خسر الاقتصاد العراقي من هذه الحالة فقط؟.
مثلها يوجد المئات.
هذا جزء من أسباب اتجاه الاستثمارات العراقية الى الدول المجاورة.
حقاً يقال إنّ «رأس المال جبان» أي أنه يريد الأمن لكي يعمل.
يريد التسهيلات حتى يتشجع صاحبه على القدوم.
صاحب المال يريد أن يربح، فهو ليس جمعية خيرية، لكن هذا الربح ليس له وحده.
المشاريع الاستثمارية تحرّك الاقتصاد ككل.
تشغّل الكوادر البشرية بجميع مستوياتها، فتخفف نسبة البطالة، وتضخ رواتب العاملين في الدورة الاقتصادية.
الاستثمار يحرّك دورة المال، ويشغّل قطاعات النقل والشحن والفنادق وغيرها.
الاستثمار في السياحة يدرّ - فضلا عمّا مضى ذكره- بخير كبير على البلاد، والاستثمار في إتاج السلع والخدمات يوفرها بتكلفة أقل، ويحفظ موارد البلاد من الخروج إلى الأسواق الأخرى.
لا يمكن حصر فوائد الاستثمار وعوائده، لكن ذلك لا يتحقق إلّا بتوفير مستلزماته وشروطه.
لا يتحقق إلّا بتوفير الحصانة للاستثمار، ضد المصادرة (قانون التأميم ما زال فاعلاً) وضد الابتزاز، الذي مصدره الموظفون بمختلف مستوياتهم، وضد المسلحين الملثّمين بسيارات بلا أرقام، وضدّ العشائر التي تبتزّ المستثمرين، وضد الفاسدين الذين لا يمانعون من حرق بلدهم من أجل مصالحهم الشخصية غير الشرعية.
لا يأتي المستثمرون والضرائب تخطف نصف أرباحهم، والنظام المصرفي متخلّف وغير آمن لهم.
وأخيراً: كيف يأتي المستثمرون والعقلية السائدة - الرسمية والشعبية- ما زالت مركزية تنظر الى القطاع الخاص بعين التخوين أو الحسد.
كيف تأتي المليارات العراقية الموزعة بين دول الجوار، إلى الوطن وقانون الاستثمار مليء بالثغرات، والنافذة الواحدة مجرد خدعة.
لا يمكن تحقيق كل هذه الشروط وغيرها في ظل البيروقراطية والفساد واهتراء الإدارة العامة، وعوق ضمير كثير من السياسيين والمسؤولين ودناءة نفوس كثير ممن تمرّ إجراءات الاستثمار من خلالهم.
سبق وجرّب المستثمرون ذلك وولّوا هاربين، لتستقبلهم العواصم الأخرى بكل ما يطمئنهم ويشجعهم على الاستثمار فيها.
لا يحدث هذا إلّا في حالة واحدة: يشكل رأس السلطة التنفيذية لجنة مصغرة مرتبطة به تتابع هذا الموضوع، لتزيل كل عقباته ومن يعرقل يلقى أقسى العقوبات.
هذا يحتاج إلى تعاون وتعاضد من رأسيْ السلطتين التشريعية والقضائية.
لنبدأ بالمستثمرين العراقيين وملياراتهم دون سؤال عن مصادرها.. وهنا تزول أولى العقبات.